مقالات مختارة

هل انتصر النظام السوري على الثورة؟

شفيق الغبرا
1300x600
1300x600

الانتصار في مواجهة انتفاضة شعبية وثورة مسألة معقدة ومتداخلة، من ينتصر على أرض محروقة ويهجر الملايين ويقتل مئات الألوف لم ينتصر بل ارتكب جرما تاريخيا ونفذ سياسة إبادة ضد شعب آمن. تحت كل الظروف لا يمكن تسمية اجتياح عسكري ضد شعب من المتظاهرين والمحتجين، كما كان الوضع في بدايات الثورة السورية طوال عام 2011 انتصارا. ولا يمكن أن نسمي الرفض لكل حل سياسي طرح التعامل مع مطالب الشعب السوري المشروعة انتصارا. لا يوجد انتصار عندما يتعلق الأمر بقمع وتصفية مطالب شعب حيوي سعى لتحسين حياته ولنيل حريات ولأن يكون مصدر السلطات.


سيبقى هذا النوع من الفتك، أراد النظام أم لم يرد، يلاحقه كما ويلاحق كل نظام عربي يمارس لعبة الموت عبر استخدامه للجيش والأجهزة القمعية لمواجهة المتظاهرين السلميين المطالبين بحكومة أكثر مساءلة وبحقوق أصيلة وحريات. لا فرق بين الشعب الفرنسي والشعب السوري من حيث استخدام الشارع لطرح مطالب وحقوق، لكن الفارق في بين فرنسا وسوريا مرتبط باستخدام الجيش والمؤسسات الأمنية بصورة مفرطة في الشأن الداخلي لمنع تحقيق المطالب. فبينما لا تستطيع فرنسا قتل المتظاهرين، ولو فعلت ستقوم الدنيا ولن تقعد، تستطيع سوريا كما وغيرها من الدول العربية فعل ذلك بلا محاسبة. وبينما لا تستطيع فرنسا التورط بدماء المتظاهرين وعدم تلبية مطالبهم لأنها لو فعلت ذلك سينتهي الرئيس وتسقط الحكومة، تستطيع سوريا النظام قتل المتظاهرين وغير المتظاهرين بلا رادع سوى تدمير سوريا وحرقها.


سوريا ليست وحدها في العالم العربي، فهذا النمط من القمع والتصفيات واستدعاء الجيوش الأجنبية في الواقع العربي هو الطريق المتبقي أمام الكثير من النخب العربية. في بلادنا العربية ضمان الحكم هو القمع والكراهية، أما في الغرب فضمان الحكم مرتبط بالديمقراطية والانتخابات والحريات. لهذا السبب هاجر السوريون هربا من جحيم الحرب وجحيم سوريا لدول ديمقراطية تتميز بالمعاملة الكريمة للإنسان، ولهذا بالتحديد ذهبت أعداد ضخمة من السوريين لتركيا ثم لأوروبا ولبقية دول الغرب.


ليس غريبا أن يسمي العرب الهزيمة انتصارا، فقد حصل هذا في حرب 1967، إذ سميت تلك الهزيمة نكسة، وقد عودتنا الأنظمة العربية على اعتبار بقاء الرئيس في سدة الحكم، مهما كان الثمن، انتصارا. ويمكن القول بأن الرئيس البشير في السودان منتصر حتى الآن لأنه استمر في الحكم بينما يتساقط المتظاهر وراء الآخر. لكن أي سودان تلك التي تتراجع فيها المؤشرات التعليمية والاقتصادية والتي يلاحق قائدها بقضايا انتهاك حقوق الإنسان؟ ويمكن القول بأن الرئيس السيسي انتصر، لكن أي انتصار هو ذلك الذي تضمن سجن كل المصريين الذي نافسوه في الانتخابات الأخيرة، وكيف يمكن لانتصار أن يتضمن سحق تيارات سياسية تتضامن معها قطاعات واسعة من المجتمع. كم هو محرج حال الزعامة العربية أمام الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي والعالمي. لا يمكن أن يكون إرهاب الدولة انتصارا!


لن تنجح سوريا المرحلة القادمة بإعادة خلق وبناء سوريا التي ثار الناس عليها، بل لو عاد النظام لأسلوب التصفيات، وللأسلوب الأمني ولقوانين الطوارئ ستعود الناس لحراكها وموقفها وتحديها. ولو استمر النظام بمنع بناء المؤسسات الحية التي توازن بعضها البعض، وبالإصرار على تغييب حقوق المعارض وحقوق للناقد سيجد نفسه في مأزق مستمر. لن يكون هناك إنتصار في ظل غياب المقدرة على بناء مساحة لكل الناس والمواطنين. بل ستسلب إرادة سوريا التي ستقع في فخ سيطرة الخارج على الداخل وتفكك الأقلية الحاكمة واستمرار تحرك الناس أينما كانوا في سوريا وخارجها ضد النظام.


لكن هناك انتصارا من نمط آخر، إنه انتصار إرادة الشعب. إن الانتصار الحقيقي يمكن قياسه لو نجح النظام الراهن في سوريا بالتعلم من تجاربه، ونجح في دعوة المعارضة أو المعارضات لحوار عميق وصادق، ولو نجح في تطوير معادلة دستورية وقام ببناء دولة المواطن ودولة الحقوق والحريات بما يؤدي لانسحاب الرئيس من الحياة السياسية لقاء ضمانات وحلول. أن تتطور سوريا نحو التحول الديمقراطي والحقوقي وأن تنجح في إدامة تداول على سلطة يعكس مطالب المجتمع هو الانتصار الحقيقي. لقد رأينا هذا النمط من الانتصار في عدة دول في أمريكا اللاتينية، بل حتى الديكتاتور القوي بينوشيه انسحب من الحياة السياسية والرئاسة لقاء تحول ديمقراطي وضمانات. إن انتصار جيوش مدججة بالسلاح ضد المواطنين العزل هو الهزيمة بحد ذاتها، بل إنه المدخل لتدمير الدولة والشرعية والمدخل لجولات أخرى.


إن انتصار الجيش في معركة أو سلسلة معارك ضد شعب ضعيف في ظل وضع عربي مفكك سيزيد من الشعب تجربة وسيفرز نخبا جديدة هي نتاج للآلام. بل الأدق والأهم أن تجربة الشعب السوري مع ثورته من 2011 حتى اليوم قد صاغت وعيه ومعارفه. هذه التجارب والتضحيات الأليمة ستكون أساسية للمستقبل. يمكن القول بأن كل ثورة هي مقدمة للتغير ومقدمة لثورة أخرى، خاصة في ظل غياب التعامل الجاد مع الأسباب التي أدت بالأساس للثورة. الشعب السوري سيبحث عن طرق جديدة ومختلفة لتحقيق مطالبه في التغير والحريات والحقوق والمبادئ الدستورية، فهو لن يتوقف عن تأكيد طموحه بحياة كريمة خالية من القمع والفساد والديكتاتورية. لم تعد الطريقة القديمة التي اتبعها النظام قبل الثورة قابلة للاستمرار.

 

عن جريدة القدس العربي اللندنية 

4
التعليقات (4)
متفائل
الجمعة، 11-01-2019 06:41 م
بالنسبة للسوري المظلوم ، وهو من دون ريب ككل سوري مكلوم ، تطلع إلى الحرية والعيش الكريم راضيا بقسمته من دون الطمع فيما عند الآخرين ، وتلك سمة الشاميين الأحرار ، أقول له : لا تيأس بالرغم من مظاهر البؤس البادية اليوم على ملامح السوريين الذين تقطعت بهم السبل ، فالله غالب على أمره ولو تآمر على سوريا كل المجرمين ، أهم ما في المسألة أن عملاء النظام الذين اخترقوا بعض التنظيمات المسلحة ، قد انكشف أمرهم ، وهم إلى اليوم يتحركون بين الثوار ، ويفعلون أفاعيلهم على حين غرة من الأبرياء ، و آخر صورة من إخراجهم هو الذي يحدث باسم هيئة تحرير الشام ، لذلك وجب الصبر والالتزام بسلوك قوى الثورة التي تتناغم و تلتحم على طريق التحرر بسلوك تركيا الجديدة ، تركيا القيم ، على طريق البناء إن شاء الله ، معكم الله يا أهل سوريا .
السوري المظلوم
الجمعة، 11-01-2019 02:18 م
لا يوجد في سوريا نظام منذ عام 1963 عندما سقطت هذه البلاد المباركة تحت سيطرة أمريكا فقامت عندها بتنصيب عصابة طائفية عليها لتسوم الناس سوء العذاب و ليتجلى دورها بعد 2011 في مزيد من التقتيل و التدمير و التخريب و التهجير من أجل تغيير ديموغرافي يصبح فيه المسلمون أقلية و يحل محلهم أصحاب الدين الشيعي الفارسي لتعويض النقص البشري الذي حصل في صفوف الأقلية من أتباع الدين النصيري. لم تكن ثورة سوريا ذات بعد ديني من طرف شعب سوريا ، و هو الشعب الذي لم يعرف أية طائفية و كان يتسم بالاعتدال و كانت سوريا مفتوحة لكل العرب ، و كانت الثورة تهدف إلى 3 أشياء فقط لا غير : قدر يسير من الحرية و الكرامة و العدالة . لكن أمريكا ركبت رأسها و جعلت أتباعها من ديانتي النصيرية و الشيعة يقولون أنها ثورة دينية و اخترعوا داعش و النصرة لتبرير قمع الثورة و سحق المسلمين في سوريا على وجه التحديد و استعان الأمريكان بالروس المرتزقة. كل ما حصل في سوريا مسرحية تنفيس أحقاد دينية من أعداء الإسلام ضد المسلمين . في الفصل الأخير من المسرحية ، سيقوم الشيخ أبو محمد الجولاني بتسليم محافظة إدلب لأخيه الشيخ أبو حافظ القرداحي تماماً كما قام "جيش الأفلام" بتسليم الغوطة و كما قام "المحاميد الإماراتي و صهره" بتسليم حوران. إذن أين الانتصار و كل القصة عصابات تتبادل أراضي و يجري فيها قتل المسلمين المدنيين و ترحيلهم.
Scrutinized look.jordan
الخميس، 10-01-2019 04:49 م
سلم لسانك أيها الإنسان الشريف وسلمت الكويت التي انجبت مثل هذا الشخص المحترم وأمثاله. وأريد أن أقول ان هناك دول تدمر شعبها بجلب اللاجئين بإعداد كبيره وتجنيسهم ويجعل أصحاب الوطن اقليه.كما هو الحال في الأردن.
متفائل
الخميس، 10-01-2019 02:46 م
سلامتك يا أستاذ شفيق ، الجيش الذي يأتمر بأوامر الحاكم لقتل شعب أعزل هو جيش عاق و قاطع للأرحام ، فهل نزل هذا الجيش من كوكب غير كوكب الأرض ، أو كأنه جيش المغول الذي مر بالديار ، فكأنه لم يغادر ، واحتفظ ببعض المساحات والمسافات لمهمة واحدة ، ليست سوى خدمة الاستبداد و دعم دوائر الفساد ، هل ذلك ممكن ؟ و إلا كيف نفسر علاقة هذا الجندي أو الدركي أو الشرطي بالشعب المسحوق ؟ أليس هو ابني وابن الجار ، وابن القرية والدوار ، و شاب من شباب المدينة ، لعب بملاعبها وترعرع بين أحيائها ، ربما لأننا جميعا شركاء في العقوق ، من منا يساله ابنه عن أفكاره وأفعاله إذا عاد إلى البيت ، والأغرب أن نفس الشاب ، حينما يعود إلى أهله يتحول إلى خروف وديع ، بل حين يفصح عن بواطنه نجده أكثر المتضررين من سلوك الحاكم المستبد ، فهل بعد كل هذا جمعنا أنفاسنا و قصدنا الطبيب للكشف عن طبيعة الداء الذي بات يتهددنا بشكل غريب ؟ إن المهمة ممكنة والكشف ممكن والعلاج ممكن ، في حالة لا ثاني لها ، ليس سوى وضع حد للعقوق ، و لن يكون ذلك إلا إذا استرجع الأب أبوته والأم أمومتها والأسرة لحمتها والمدرسة وظيفتها .