هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية تقريرا عن الرقة وسكانها، الذين لا يزالون يقبعون تحت الأنقاض في المعركة؛ لإخراج تنظيم الدولة من المدينة التي كانت عاصمته.
ويقول التقرير الذي كتبه أنطوني لويد، وترجمته "عربي21": "من بين أنقاض بيوتهم، ومن تراب المتنزهات والحدائق، ينبعث موتى الرقة لكي يقولوا حكاياتهم".
ومن هؤلاء الموتى من عُثر على بعضهم وأيديهم مقيدة وبرصاصة واحدة اخترقت الرأس، وهناك آخرون فقدوا جماجمهم.
وعثر على أجساد عائلة واحدة في مكان غير معلم، حيث ماتوا جنبا إلى جنب من الجوع والعطش، بعدما انهارت البناية عليهم، وتركتهم للأبد من دون أن يروا الشمس.
وفي بيت منهار، اكتشف عمال الإغاثة 42 جثة. وبعض الجثث هي لمقاتلين من تنظيم الدولة وأخرى تعود للسجناء، إلا أن غالبية الجثث التي اكتشفت في دمار الرقة تعود للمدنيين الذين ماتوا جراء غارات وقصف دول التحالف الدولي، وهو ما يقوله الفريق الذي أوكلت إليه مهمة استخراج الجثث من المدينة المحررة.
وتحولت الرقة في عام 2013 إلى العاصمة الفعلية لتنظيم الدولة الإسلامية التي خطط منها لعمليات في كل أنحاء سوريا، وصور عمليات قتل الرهائن، وتآمر للقيام بعمليات في باريس.
وقال رياض العمري (27 عاما)، وهو المهندس المسؤول عن البيانات والأرقام التي جمعها فريق الرد الأول على الرقة: "في بعض الحالات من الصعب تحديد طبيعة الوفاة"، ولكن "لنكن واضحين حول هذه النقطة، فمعظم الوفيات بين المدنيين هي جراء الغارات الجوية" للتحالف الدولي.
وتعزز نتائج فريق الإغاثة ما سبق أن قالته منظمة أمنستي إنترناشونال ومنظمة إيرووز البريطانية التي تقوم برصد أثر الغارات الجوية على المجتمعات المحلية، وكشفت أن آلافا من المدنيين السوريين ماتوا وجرحوا نتيجة لغارات التحالف الدولي على الرقة، والتي روج التحالف لدقتها من أجل تحرير المدينة. واستمرت الغارات مدة أربعة أشهر قبل الإعلان عن خروج تنظيم الدولة منها نهائيا في 17 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.
وتسيطر على المدينة الآن وحدات من قوات سوريا الديمقراطية التي تحظى بدعم أمريكي. وأصدرت منظمة أمنستي إنترناشونال تقريرا تحت عنوان "حرب الإبادة: الحصيلة المدمرة على المدنيين". وجاء فيه أن أرقام الضحايا بين المدنيين التي قدمها التحالف كانت أقل من العدد الحقيقي. وقبل التقرير قال التحالف إن 23 مدنيا قتلوا في الرقة جراء الغارات التي دمرت نسبة 80% من المدينة.
ودافعت وزارة الدفاع البريطانية عن دقة الغارات، وقالت إنه لا يوجد أدلة على أن سقوط الضحايا من المدنيين تسببت به 275 غارة لسلاح الجو البريطاني على الرقة أو 750 غارة قام بها الطيران البريطاني على الموصل.
ورد وزير الدفاع البريطاني غافين ويليامسون على التقرير الدقيق الذي أصدرته أمنستي بالقول إنه "عار". وقال كريس وودز مدير "إيروورز": "اعترف الأمريكيون بأنهم ارتكبوا على الأقل أخطاء" ويضيف: "تزعم بريطانيا مثل روسيا وفرنسا وأستراليا وبلجيكا وهولندا أن قنابلها لا تقتل إلا الأشرار، وهو أمر سخيف". وترى الفرق السورية، التي بدأت عملها في الخريف وتضاعفت ثلاث مرات في الشتاء، أن الأرقام التي ذكرتها امنستي وإيروورز دقيقة في تقدير عدد الضحايا بين المدنيين.
وبحسب البيانات التي قدمها فريق الرد الأول، فقد أحصي حتى 11 كانون الأول/ ديسمبر 3280 جثة منذ أن بدأ العمل في كانون الثاني/ يناير هذا العام.
وتضم هذه جثث 604 أطفال تحت سن السادسة عشرة، و538 من النساء المدنيات، و1251 من الرجال المدنيين، و792 مقاتلا. ولم يتمكن الفريق من تحديد جنس القتلى في 95 حالة. وجرح آلاف المدنيين في أثناء العملية التي أطلقت فيها 30000 قذيفة مدفعية على المدينة من قبل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الغارات الجوية التي قام بها الطيران الأمريكي والبريطاني والأسترالي والفرنسي. وقامت الوحدات المدفعية الأمريكية بإطلاق قذائف مدفعية على الرقة أكثر من أي مدينة في أي حرب منذ حرب فيتنام، وفق الدراسة اللاحقة التي أعدتها الأمم المتحدة، والتي كشفت عن تدمير القصف نسبة 80% من المدينة.
ولم تكن الأسلحة التي استخدمتها الوحدات الكردية ذات أثر تدميري مثل الطيران، فلم تتجاوز الأسلحة المستخدمة من قوات سوريا الديمقراطية قنابل هاون بحجم 120 مليميتر. وعلى خلاف الموصل التي استخدم فيها تنظيم الدولة 750 سيارة انتحارية، لم يستخدم سوى 12 سيارة انتحارية في الرقة، وكانت على قاعدة أقل. وبالضرورة فتدمير الرقة تم على يد طيران التحالف.
ولاحظت منظمة إيروورز اتجاها مثيرا للقلق في الرقة، مثل ما حدث في الغوطة الشرقية وحلب على يد الطيران الروسي.
ويقول وودز: "ربما كانت النية مختلفة، لكننا من خلال رسم نماذج مماثلة عن أثر الغارات، فقد حددنا أنه لا يوجد أي فرق بين الضرر الذي حدث للمدنيين في الرقة على يد التحالف وما حدث على يد الروس في الغوطة الشرقية وحلب".
وعبّر الكثير من أهل الرقة الذين قابلهم لويد عن سخطهم من تنظيم الدولة، إلا أن الدمار ورفض الاعتراف بحجم القتلى المدنيين والفشل في المساعدة في عملية الإعمار كانت مثار غضب بين المدنيين أيضا.