تتربع العاصمة المصرية
القاهرة في الفترة الأخيرة على عرش أكثر مدن العالم لتلوثا، بحسب تقارير دولية
متخصصة.
وبينما يعاني ملايين
المصريين من هذه الأوضاع الكارثية، تكتفي الحكومة بنفي صحة تلك التقارير، وإصدار
تصريحات تقليدية حول الجهود التي تبذلها في مجال مكافحة
التلوث البيئي في البلاد.
"معاييرهم مختلفة"
وكانت مجلة
"فوربس" الأمريكية نشرت في أيلول /سبتمبر الماضي تقريرا أكد أن القاهرة
هي أكثر مدينة ملوثة في العالم، وفقا لبحث أجرته شركة "إيكو إكسبرتس"
المختصة بقياس التلوث البيئي، واستندت فيه على عدة عوامل من أجل تحديد مستوى
التلوث، من بينها الضوضاء وتلوث الهواء وكثافة الإضاءة.
وأشار التقرير إلى أن
طبوغرافيا القاهرة بمبانيها المرتفعة وشوارعها الضيقة التي تزدحم بالمركبات، تحول
دون تحريك الهواء الراكد والملوث، كما تقل فرصة تطهير الهواء بسبب مناخها الجاف
وندرة الأمطار فيها.
لكن وزارة البيئة اعترضت
على هذا التقرير، وأصدرت حينها بيانا ادعت فيه أن التقرير لم يشر إلى مصدر
البيانات التي أوردها عن مستوى تلوث الهواء والضوضاء بمدينة القاهرة، كما انتقدت
منهجيته في اختيار بعض الملوثات وإغفال باقي المؤشرات التي لم تتعد النسب المسموح
بها قانونا.
بدوره، أكد رئيس جهاز
حماية البيئة محمد صلاح الدين أن تقرير مجلة "فوربس" اعتمد على معايير
مختلفة لقياس معدلات تلوث غير تلك التي تعتمدها الحكومة المصرية، ومن بينها حساب
نسبة الجسيمات الصلبة العالقة في الهواء فقط.
"متابعة فقط"
لكن مراقبين يؤكدون أن
تلك الجهود تقتصر على عمليات الرصد وإعداد التقارير حول معدلات التلوث، دون اتخاذ
خطوات ملموسة لوقف التلوث أو التقليل منه.
وبحسب دراسة سابقة أعدها
المركز القومي للبحوث، فإن التلوث يكلف مصر نحو 5% من إجمالي الناتج القومي، كما أن
شدة الضوضاء في القاهرة لا تقل عن 70 ديسيبل، ما يؤدي إلى الإصابة بالعديد من
الأمراض منها ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية.
وأكد رئيس جهاز حماية البيئة محمد صلاح الدين، في تصريحات تلفزيونية الأسبوع
الماضي، أن التكدس السكاني في القاهرة الكبرى والزيادة الهائلة في أعداد المركبات
فضلا عن حرق قش الأرز في محافظات الدلتا، يعتبر من أهم مسببات تلوث الهواء في مصر.
غضب برلماني
وفي سياق ذي صلة،
أثار التلوث البيئي الذي تشهده جميع المحافظات، غضب العديد من السياسيين ونواب
البرلمان، حيث أعلن رئيس الحزب أكمل قرطام أنه بصدد تقديم طلب إحاطة لوزيرة البيئة
حول فشل الحكومة في إيقاف تفاقم ظاهرة التلوث، قائلا إنها سلبية ومتخاذلة في
مواجهة هذه القضية ذات التأثير الكبير صحيا واقتصاديا.
وأكد قرطام إن زيادة
معدلات التلوث في القاهرة خاصة، وفي مصر عموما، من أهم أسباب عزوف السياح عن زيارة
البلاد، مشددا أن المصريين يختنقون وأوشكوا على التحول إلى مخلوقات تتنفس ثاني
أكسيد الكربون والحديد والرصاص، على حد قوله.
كما تقدم النائب تادرس
قلدس، بطلب إحاطة آخر إلى وزيرة البيئة، مستنكرا سوء إدارة الملف البيئي، الذي أدى
إلى احتلال القاهرة الترتيب الأول كأكثر مدن العالم تلوثا.
وقدمت النائبة شيرين
فراج، طلبا للبرلمان لتشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن الوضع الكارثي الذي وصل إليه
تلوث الهواء في القاهرة، مشيرة إلى أن سكان العاصمة يتنفسون هواء أكثر خطورة بـ
11.7 مرة من المستوى الآمن بحسب منظمة الصحة العالمية.
المعاناة متواصلة
وتعليقا على هذه التقارير
الدولية، أكد مواطنون، تحدثوا لـ "
عربي21"، أنهم يعانون بشدة من التلوث
البيئي، ورفضوا تصديق بيانات الحكومة حول جهودها لمكافحة التلوث.
وفي هذا الإطار قال عبد
الله حمدي، موظف، إنه يعاني بشدة بسبب ارتفاع مستويات التلوث في القاهرة التي يعيش
ويعمل بها، مؤكدا لـ"
عربي21" أن الحفاظ على البيئة يأتي في ذيل أولويات
الحكومة، حسب قوله.
أما منى محمود، ربة منزل تعيش
في محافظة الجيزة، فقالت لـ"
عربي21" إن صحتها تدهورت هي وأولادها بسبب
تلوث الهواء، موضحة أنها وأبناءها أصيبوا بحساسية مزمنة في العين والجيوب الأنفية،
وأنها أنفقت الكثير من المال لعلاجها دون جدوى بسبب الهواء الملوث الذي يحيط بها
طوال الوقت.
فيما قالت خديجة عبد
الهادي، طالبة، إنها لم تعد تطيق العيش في مدينة شبرا التابعة لمحافظة القليوبية، بسبب تلوث الهواء الذي وصل إلى معدلات غير محتملة، مؤكدة لـ"
عربي21" أن
أكبر أمنياتها أن تعيش في مدينة أخرى لتستمتع بالهواء النقي باقي عمرها.
وتعليقا على تشكيك
الحكومة في تقرير فوربس، قال محمد عبد العال، طبيب يعيش في مدينة حلوان، لـ"
عربي21"،
"لا يمكن أن نصدق الحكومة ونكذب أعيننا، فنحن نعيش في التلوث ليل نهار ونعاني
من آثاره المدمرة علينا وعلى أولادنا"، لافتا إلى أن منظمة الصحة العالمية
سبق أن صنفت القاهرة في تقرير أصدرته في شهر أيار/ مايو الماضي، على أنها ثاني أكثر
المدن تلوثا في العالم.