قضايا وآراء

الوصاية الإماراتية السعودية على مصر

قطب العربي
1300x600
1300x600
ليست هذه المرة الأولى التي تسقط فيها مصر أسيرة هذا الكم من الديون التي تستجلب تدخلا للدائنين في شونها الداخلية حماية لمديونياتهم، حدث هذا بشكل فج في الربع الأول للقرن التاسع عشر، بسبب سفه الخديوي إسماعيل الذي لم يترك دولة أوروبية إلا استدان منها، وهو ما دفع تلك البلدان الدائنة لتأسيس لجنة دولية عرفت باسم "صندوق الدين (Caisse de la Dette)، وقد أُجبر الخديوي شخصيا على إصدار مرسوم التاسيس في 2 أيار/ مايو 1876؛ للإشراف على سداد مديونيات الحكومة المصرية لأولئك الدائنين.

وفقا لموسوعة المعرفة، "فإن إسماعيل باشا قد اقترض في الأعوام الثمانية عشر التي تولى الحكم فيها نحو ثلاثة مليارات من الفرنكات (120 مليون جنيه تقريباً)، وقد بلغت حالة النهم على الديون أقصى مدى منذ أواخر 1875، حيث حل موعد سداد العديد من أقساط مديونيات سابقة.

لم تكن قيمة القروض تصل كاملة إلي الخزانة العامة، بل كان أصحاب البيوت المالية والمرابون يخصمون منها مبالغ طائلة لحساب المصاريف والسمسرة والفوائد.. إلخ، ولم يكن إسماعيل يدقق أو يعارض في الحسابات التي يقدمها له الماليون والسماسرة. فالقرض الذي عقد سنة 1873 بلغ مقداره الإسمي 32 مليون جنيه؛ لم يدخل منه الخزانة سوى 20,7 مليون جنيه، منها 11 مليوناً من الجنيهات نقداً وتسعة ملايين سندات. ولم يتسلم إسماعيل من القرض الذي عقده سنة 1870 سوى خمسة ملايين فقط، وكان أصله سبعة ملايين.. وقس على ذلك باقي القروض.

أما الديون السائرة، فلم يكن لها ضابط ولا حساب، وكانت تبلغ ثلاثة أمثال قيمتها الحقيقية، وفي بعض الأحيان أربعة أمثالها. وإذا كانت جملة الديون في عهد إسماعيل 120 مليون جنيه، فإن نصف هذا المبلغ على الأقل بقي في يد الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين والسماسرة من مختلف الأجناس؛ ممن كانوا يحيطون به على الدوام.

كانت مهمة صندوق الدين أن يكون خزانة فرعية للخزانة العامة تتولى تسلم المبالغ المخصصة للديون من المصالح المحلية، وخصص لها إيراد مديريات الغربية والمنوفية، والبحيرة، وأسيوط، وعوائد الدخولية في القاهرة والإسكندرية، وإيراد جمارك الإسكندرية والسويس وبورسعيد ورشيد ودمياط والعريش، وإيراد السكك الحديدية، ورسوم الدخان وإيراد المصلح (ضريبة الملح)، ومصايد المطرية (دقهلية)، ورسوم الكباري، وعوائد الملاحة في النيل، وإيراد كوبري قصر النيل، وإيراد أطيان الدائرة السنية، أي أنه خصص لسداد الديون معظم موارد الخزانة المصرية. وكان الصندوق هو أول هيئة رسمية أوروبية أنشئت لفرض التدخل الأجنبي في شؤون مصر، والسيطرة الأوربية عليها، وغل سلطة الحكومة المصرية في شؤونها المالية والإدارية، وهو أداة اعتداء على استقلال مصر المالي والسياسي؛ لأنه بمثابة حكومة أجنبية داخل الحكومة، لها سلطة واختصاصات واسعة المدى، حيث يتولى إدارته مندوبون أجانب، تندبهم الدول الدائنة ويعينهم الخديوي وفقاً لهذا الانتداب. وقضت المادة الثانية بأن الموظفين المنوط بهم تحصيل الإيرادات المتقدم ذكرها عليهم أن يوردوا ما يحصلونه إلى صندوق الدين لا إلى وزارة المالية. ونصت المادة الثامنة على أن الحكومة ممنوعة من تعديل الضرائب التي خصصت إيراداتها لصندوق الدين تعديلاً يفضي إلى إنقاص الوارد منها، إلا بموافقة أغلبية أعضاء الصندوق، وأن لا تعقد الحكومة أي قرض جديد ولا تصدر إفادات مالية على الخزانة إلا لأسباب تقضي بها حاجة البلاد، وبعد موافقة صندوق الدين.

كان العضوان الأكثر تحكما في صندوق الدين هما العضو الإنجليزي جورج جوشن (George Goschen)، والفرنسي المسيو جوبير (M. Joubert)، وهما اللذان فرضا - باسم الدائنين - الرقابة الأوربية على المالية المصرية، ووضعا السكك الحديدية وميناء الإسكندرية تحت إدارة لجنة مختلطة،. وتدخل قنصلا إنجلترا وفرنسا وهما اللورد فيفيان (Vivian) والبارون دي ميشيل (De Michels) بإيعاز من دولتيهما، للضغط على الخديوي وإكراهه على الإذعان.

قبل تأسيس صندوق الدين ببضع شهور، حيث كانت مصر على مشارف إعلان الإفلاس بسبب تضخم المديونيات، وبعد أن رهن الخديوي إسماعيل كل موارد مصر، لم يجد أمامه سوى أسهم الحكومة المصرية في قناة السويس، وكانت تبلغ حوالي 177 ألف سهم، توازي نصف أسهم القناة تقريبا. وقد اضطر إسماعيل لعرضها للبيع لمستثمرين فرنسيين، لكنهم تلكأوا فتم البيع للإنجليزمقابل أربعة ملايين جنيه إسترليني.

هذه مقدمة تاريخية ضرورية لفهم ما يحدث حاليا في مصر، وهو شديد الشبه بما حدث من قبل. فعبد الفتاح السيسي يعشق الديون، والسفه في إنفاقها على غير مقتضى، بشكل يفوق الخديوي إسماعيل. وإذا كانت جملة مديونيات إسماعيل بلغت 120 مليون جنيه مصري خلال 18 سنة (في ذلك الوقت)، فإن مديونيات عبد الفتاح السيسي المسجلة رسميا وفقا لتقديرات وكالة فيتش للتقييم الإئتماني؛ ناهزت المئة مليار دولار، بخلاف القروض أو المساعدات الخليجية (الإماراتية والسعودية تحديدا) التي لم تدخل خزانة الدولة، والتي تقدر بـ40 مليار دولار. وهذه المديونيات في غالبها كانت ثمنا لصفقات تجارية وعسكرية لا تحتاجها مصر، بل كانت مجرد ترضيات لبعض الحكومات لشراء دعمها السياسي للنظام الانقلابي المفتقد للشرعية الشعبية.

حجم الدين الخارجي الرسمي الذي لامس المئة مليار دولار، مع حجم الدين العام المحلي الذي بلغ 3.414 تريليون جنيه، يعني أن إجمالي الدين العام المصري المحلي والأجنبي قفز خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس الأخيرة، ليقارب الخمسة تريليونات جنيه، وهي أكثر كثيرا من الناتج المحلي الذي يبلغ 3,5 تريليون جنيه، وهو ما يعني عمليا حالة إفلاس (حين تزيد الديون عن الناتج).

أمام هذه الحالة وتكرارا لما فعله الخديوي إسماعيل، لم يجد السيسي أمامه سوى بيع نصف أسهم شركة تنمية قناة السويس لهيئة موانئ دبي، الممثلة لدولة الإمارات، والتي سبق لها أيضا أن عينت وزيرا لمتابعة مشاريعها ومديونياتها ومساعداتها في مصر، هو سلطان الجابر، في حين أعلن وزير التجارة السعودي ماجد القصبي قبل يومين؛ أنه تلقى تكليفا من ولي العهد محمد بن سلمان، بأن يعتبر نفسه وزيرا في الحكومة المصرية. وهذان الوزيران (الإماراتي والسعودي) هما تكرار واضح للمندوبين الفرنسي والإنجليزي في عهد الخديوي إسماعيل.

ربما نلتمس العذر لغالبية الشعب المصري لصمته على سفه الخديوي إسماعيل ومديونياته، ورهنه لأصول مصر، وقبوله بتعيين أوصياء على اقتصادها في نهايات القرن التاسع عشر بسبب انتشار الأمية وعدم وجود وسائل إعلام جماهيري، لكننا لا نجد أي عذر للمصريين في الوقت الحالي للصمت؛ والقبول بما يكبلهم به السيسي من مديونيات يعجز الجيل الحالي والأجيال القادمة عن سدادها، وكذا القبول بأوصياء إماراتيين وسعوديين على الاقتصاد الوطني.
التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 03-12-2018 07:33 ص
وهل تظن الشعب المصري تغيرا كثيرا من القرن التاسع حتى اليوم ،، لا أظن انه تغير ،،، الشعب المصري قرابة ال200 عاما لم تبنى فيه طوبة واحدة بل عوامل الهدم هي الأصل ،،، الشعب المصري هم اولاد العمال والفلاحين والحرفيين وبقايا الطبقة الوسط التي تاكلت بفعل الزمن ،،، الشعب المصري هم الفقراء قرابة ال90 مليون نفس ،، أما الباقي فهم شعب آخر او طبقة أخرى من الشعب لا يعنيها كثيرا ما تقول ،،،، كان الامل في بناء جيل جديد من الطبقة الوسطى من المهنيين من المعلمين والأطباء والمهندسين وغيرهم ،، طبقة تنشأ مجتمعا ثم دولة ، وكان هذا بالفعل ممكنا منذ بدايات عهد السادات عندما أصبح طلاب الجامعات شريكا في القرار السياسي ولو حتى التظاهرات السلمية ،،، لكن مشروع البناء لم يكتمل ككل مشاريع مصر خاصة في بناء الإنسان ،،، نحن لسنا دولة بالمفهوم الإنساني الحضاري ،، نحن شتات رغم أننا نعيش داخل حزام جغرافي واحد متجانس بنسبة كبيرة ،،، ربما قدر هذا البلد وهي شريكة في صنع قدرها ،،، انها تعشق اللف والدوران ،، تبدآ وتدور ربما دورة تستغرق عقودا ،، ثم تعود لنفس النقطة او أسوأ ،،، بكل اسف بعد ان كنت من دعاة الإصلاح والمبشرين به ،، أصبحت على يقين ،، مؤقتا ،،، أن مصر دولة او شبه دولة غير قابلة للإصلاح ،،، لاعتبارات كثيرة ربما اهمها نوعية الإنسان المصري ،، خاصة نخبة القيادة والإصلاح ،،،