هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فاز مرشح أقصى اليمين البرازيلي «غاير بولسونارو» في انتخابات
الرئاسة، متوجا التحول اليميني في أهم وأكبر دولة في قارة أمريكا اللاتينية (الجنوبية).
وفي
واحدة اعتبرت من أهم 10 دول اقتصادية في العالم. وكان قد سبق ذلك فوز يميني في
الانتخابات البرلمانية العام 2016، الذي دشن بداية التحول اليميني في هذا البلد،
وأفضى إلى عزل رئيسة البرازيل المنتخبة «دليما روسيف»، واعتقال الرئيس السابق لولا
دا سيلفا بتهم الفساد، وواقع الأمر للحيلولة دون ترشحه لانتخابات الرئاسة.
أفرز
التحول اليميني في البرازيل النموذج الترامبي الشعبوي، نظرا للتشابه الكبير بين
ترامب وبولسونارو لدرجة إطلاق لقب «ترامب البرازيل» على الرئيس الجديد.
التشابه
بين الشخصيتين يبدأ بالإعجاب المتبادل، إذ وعد بولسونارو بتطبيق نموذج ترامب في
البرازيل وتأييد ودعم الأخير له، وبالخطاب الشعبوي الذي يدغدغ الغرائز ويلعب على
معاناة المهمشين والفقراء والعاطلين عن العمل، في الوقت الذي ينحاز فيه للشركات
الاحتكارية الكبرى وكبار المتنفذين الاقتصاديين ورجال الأعمال، الذين دفعوا لحملته
بسخاء، وقابلهم بوعد تخفيض الضرائب، كما فعل ترامب إلى حد كبير.
لقد
أكثر الرئيس الجديد في حملته الانتخابية من الوعود الكبيرة كالقضاء على الفساد،
وإنعاش الاقتصاد وخفض الضرائب وضبط الأمن وخفض نسبة الجرائم المرتفعة.
واستعار
من ترامب، شعاراته العنصرية، إعادة البرازيل عظيمة من جديد، ويعني بذلك عودة حكم
العسكر حيث لم يتردد بولسونارو في كيل المديح لحكم الديكتاتورية العسكرية البائد،
لاسيما وانه كان ضابطا في الجيش.
الشبه
الآخر بين الترامبين الأمريكي والبرازيلي هو الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي
بمستوى هائل.
اعتمد
بولسونارو على 14 مليون متابع ومؤيد على فيسبوك وتويتر وإنستغرام كقاعدة لحملته
الانتخابية.
هذا
العدد يفوق بكثير عدد أعضاء حزبه اليميني الصغير الذي ما كان يستطع إيصاله للحكم
بمعزل عن الشعبويين أمثال هؤلاء، وبمعزل عن الشركات الاحتكارية التي وجدت فيه
مخلصا من السياسات التي اتبعها النظام اليساري.
يعتمد
بولسونارو على وسائل التواصل كأداة إعلامية بديلة لوسائل الإعلام الأساسية التي
تناصبه العداء.
نتيجة
الانتخابات في البرازيل وفوز بولسونارو داعية العنف والتعصب والكراهية، أعادت اليمين
المتطرف إلى الحكم، بعد 33 عاما على نهاية حكم العسكر واليمين، وأحدثت هزيمة مؤلمة
لليسار.
غير
أن طريق اليمين الماضي والمندفع نحو إنجاز التحولات الرجعية ليس مفروشا بالحرير
والورود، فقد حصل اليسار على 45% من الأصوات - ما يعادل 47 مليون ناخب منحوه الثقة
- مقابل 55% لمصلحة اليمين.
وهذا
يعني أن الرئيس الجديد سيجابه بمعارضة قوية ومنظمة ولها خبرة تمتد إلى 33 عاما.
معارضة سياسية واجتماعية وقانونية وإعلامية ستدافع عن الديمقراطية والحريات ضد
المسعى اليميني لإعادة الديكتاتورية الداعمة للاحتكارات.
وستدافع
عن الإنجازات التي تحققت في ظل الحكم اليساري على امتداد العقود الثلاثة السابقة.
مقابل يمين يستند أكثر إلى اصطفاف شعبوي، وأخبار مزورة ووعود غير قابلة للتحقيق،
ورئيس ديماغوجي.
ستبدأ
المعركة الحقيقية بعد تسلم بولسونارو الحكم في كانون الثاني القادم. معركة داخلية
كبيرة، ستطرح مسؤولية الحكم اليساري عن الأزمات الاقتصادية والأمنية والفساد وعن
فشله في إيجاد الحلول لها.
لا
شك في أن نتيجة الصراع والتحول في البرازيل ستؤثر عميقا في القارة الجنوبية
بأكملها، فيما إذا حافظ اليمين على نجاحه في اختراق القارة من أكثر مواقعها قوة،
أو إذا ما استعاد اليسار زمام المبادرة لقطع الطريق على هذا التحول داخل البرازيل
وفي عموم القارة. كما أن تثبيت فوز اليمين سيكون له الأثر في انتشار ودعم الظاهرة
الترامبية داخل القارة وفي العالم.
في
هذا الصدد يجوز لترامب واشنطن أن يفرح بفوز مثيله البرازيلي، ويجوز لأشباه ترامب
في كل مكان أن يحتفلوا بفوز ترامب جديد في البرازيل.
كان
أول المحتفلين نتنياهو وحكومته، الذين تلقوا تعهد بولسونارو بنقل سفارة بلاده من
تل أبيب إلى القدس، وتعهده بالتصويت إلى جانب إسرائيل داخل الهيئات الدولية، مقابل
التضييق على سفارة فلسطين، وزعمه بأن فلسطين ليست دولة حتى يكون لها سفارة، في
إشارة إلى نيته شطب التمثيل الفلسطيني أو تخفيضه على أقل تقدير.
يذكر
أن الحكومة البرازيلية اليسارية السابقة رفضت اعتماد أوراق السفير الإسرائيلي في
برازيليا العاصمة لأنه مستوطن ويعيش داخل مستعمرة مقامة على أراض فلسطينية بشكل
غير شرعي ومخالف للقانون الدولي.
نتنياهو
وصف موقف بولسونارو بالتاريخي مباركا المواقف الجديدة، فقد اعتادت هذه الحكومة على
دعم وتأييد كل تحول رجعي، وكل انتهاك للقانون الدولي، وكل مس بحق الشعوب وحريتها.
تناغمت
حكومة نتنياهو مع ترامب أمريكا في ضم القدس والتنكر لقضية اللاجئين، وأيدت مواقفه
العقابية من «الأونروا» ومن ملايين اللاجئين الذين شردتهم إسرائيل.
التناغم
بين ترامب أمريكا وترامب البرازيل وترامب إسرائيل ومن لف لفهم عربيا وكونيا يحدث
بالأمس والآن على قاعدة التوحش.
والتوحش
ليس تهمة أو شتيمة بل سياسة لها تجلياتها الاقتصادية والأمنية والحقوقية
والثقافية. تأييد الاحتلال الاستيطاني لوطن الشعب الفلسطيني هو توحش، وتأييد أو غض
النظر عن سرقة ونهب الأرض الفلسطينية وكل مواردها هو توحش، والسكوت على وارتكاب
جرائم حرب بحق الأبرياء أو تجويعهم واضطهادهم وخنقهم بالحصار، هو ذروة التوحش.
وغض
النظر عن منع وحرمان شعب من حقه في الحرية وتقرير المصير بالقوة القهرية هو تماه
مع التوحش.
وإقامة
العلاقات الطبيعية في السر والعلن مع دولة ترتكب كل هذه الانتهاكات هو بمثابة تأييد
وتشجيع التوحش والتماهي معه.
أعني
بذلك زيارة نتنياهو ووزرائه لسلطنة عمان، وزيارة وزيرة الثقافة الإسرائيلية شاكيد
لدولة الإمارات، وكل أشكال التطبيع العربي المعلن وغير المعلن مع دولة الاحتلال.
القضية
لا تنحصر في نقل سفارة وإغلاق أخرى، بل في الاستقطاب بين التوحش السياسي الاقتصادي
والأمني على صعيد كوني، ومنظومة قيم الحرية وحقوق الإنسان والعدالة والسلام. الشعب
الفلسطيني ومعظم شعوب العالم بما في ذلك الشعب البرازيلي ضد التوحش الذي يرفضونه
ويقاومونه، ومن حق كل من يرفض التوحش قولا وعملا أن يفخر بذلك رغم الثمن الباهظ
الذي يدفعونه.
ويبقى
السؤال هل تستطيع المعارضة البرازيلية منع نقل السفارة البرازيلية من تل أبيب إلى
القدس، لا شك في أن النجاح يعتمد على مستوى الدعم الفلسطيني والدعم الشعبي العربي.
نضال مشترك يمكن أن يأتي أكله، كما حدث مع باراغواي التي أعادت سفارتها إلى
تل أبيب بعد قرار نقلها إلى القدس من قبل الرئيس السابق هوراسيو كارتيس.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية