قضايا وآراء

العقل الاستراتيجي الجمعي.. كيف نجعله واقعا؟ (5-6)

أحمد عمران
1300x600
1300x600
إن ما تشهده منطقتنا العربية والإسلامية من أحداث مفجعة ليست جديدة على أمتنا، بل تكرار لأحداث مشابهة في تاريخها الطويل؛ شهدت فيه الأمة كبوات عديدة ثم عادت ونهضت وبقيت وستبقي. ومع اختلاف الأزمنة اختلف خصومها ومنافسيها ومنهجياتهم وأدواتهم، ولكن بقي مشروعهم الاستعماري المتربص بالأمة وشعوبها وهويتها ومقدراتها.

لقد تحول العقل الاستراتيجي للمشروع المنافس لمشروع الأمة عقل استراتيجي جمعي تشكله العديد من مراكز "Tanks Think"، والتي لها التوجه الاستراتيجي طويل الأمد، وتحوي خيرة الخبراء والباحثين أصحاب التخصصات المختلفة.

فمثلا، هناك مؤسسات ومراكز أساسية في تطوير السيناريوهات وصياغة السياسات ودعم القرار الأمريكي، سواء في البيت الأبيض أو الكونجرس أو البنتاغون أو الجيش الأمريكي، ومن أشهرها المجلس القومي للمخابرات الأمريكية، ومجلس العلاقات الخارجية، ومعهد بروكنجز في واشنطن، ومعهد أميركان إنتربرايز، وبيت الحرية، وهيريتاج، والداربا، وراند، وغيرها.

وهذا العقل الاستراتيجي الجمعي الأمريكي، متمثلا في هذه المؤسسات والمراكز الهامة، كانت وما زالت له أهداف وأولويات في الشرق الأوسط؛ متمثلة في الحفاظ على سيطرة الولايات المتحدة على ثرواته وتمركزها الاستراتيجي فيه، وأمن الكيان الصهيوني.

واجتهد العقل الاستراتيجي الجمعي الأمريكي في رسم الرؤى والخطط الاستراتيجية طويلة الأمد؛ لضمان استمرارية تحقيق هذه الأولويات على مدى عشرات العقود، بغض النظر عن تبادل الرؤساء وتغير الحكومات.

ومن حقنا كأمة عربية وإسلامية ذات تاريخ عظيم؛ أن تكون لنا رؤى وأهداف وأولويات تدافع عن حاضرنا تجاه ما يحاك لها، وتصنع مستقبلا مشرقا لشعوبها.

ومن هنا، نطرح في هذا المقال رؤية مبسطة لتصور عن مكونات ومهام العقل الاستراتيجي الجمعي العربي الإسلامي المأمول إيجاده، والتي تبدأ بتأسيس مركز بحوث (Think Tanks) مركزي بإرادة سياسية مؤمنة بأهميته، بحيث يكون مستقلا فكريا، جامعا لعقول المفكرين والخبراء المبدعين المتخصصين من كل أرجاء الأمة العربية والإسلامية.

وفي هذا التصور المبسط، يتشكل هيكل هذا المركز من مجموعة وحدات بحثية متخصصة على مستوى الأقطار العربية والإسلامية، وأقاليمها التي تنتمي إليها، ثم وحدة مركزية عليا، ويمكن التوصيف الوظيفي لهذه الوحدات كالتالي:

الوحدات القطرية: تشتمل على عدة وحدات وتكون كل وحدة ممثلة لقطر معين، وتضم باحثا على الأقل في كل مجال من المجالات السبعة التالية، أو ما يطلق عليها "PESTEEL"، وهي عبارة عن المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتقنية، والبيئية، والقيم الأخلاقية، وأخيرا القانونية والتشريعية.

وتقوم هذه الوحدة بدراسة القضايا ذات الأولوية والتحديات لكل قُطر، والسيناريوهات المستقبلية في كل المجالات السابق ذكرها، ونقاط الاتصال والتكامل مع بقية الدول العربية والإسلامية الأخرى، والسياسات والتوصيات المقترحة، وتوفير مرجعيات مستقبلية لصانع السياسات ومتخذي القرار في العالم العربي والإسلامي.

الوحدات الإقليمية: تضم العديد من الوحدات، وتتشكل كل وحدة إقليمية من رؤساء كل الوحدات القطرية التابعة لها جغرافيا، وتهتم بإبراز خلاصة المخرجات والدراسات المستقبلية للأقطار التابعة لها.

الوحدة المركزية: تتكون من خبراء الدراسات المستقبلية ونظم دعم القرار وتقنيات المعلومات والذكاء الاصطناعي، وهدفها تطوير المنهجيات والأدوات لاستخلاص وميكنة آراء الخبراء وتطوير النماذج الرياضية والنمذجة والمحاكاة والذكاء الاصطناعي والنماذج المعرفية، وتحليل البيانات واستخراج المؤشرات الذكية.

ولتسهيل ميلاد هذا المركز، يقترح في بدايات عمل المركز الاكتفاء بتمثيل الدول العربية والإسلامية ذات القوة الاقتصادية والتأثير السياسي الأكبر فقط، ويقترح أن تكون تركيا، ومصر، وماليزيا، وباكستان، والسعودية، وقطر، وسوريا، والعراق، والسودان، والجزائر.

كذلك يمكن البدء في التخصص في ثلاثة مجالات حيوية وملحة، هي الاقتصادية والسياسية والتقنية، كأولوية في هذه المرحلة، ثم يحدد خبراء المركز القضايا ذات الأولوية وتوصيف المهام للمركز بشكل أكثر تفصيلا. ويمكن البدء ببعض المهام الأساسية لهذا العقل الجمعي الاستراتيجي الوليد في:

- بناء قواعد البيانات للخبراء العرب والمسلمين المتميزين في كل المجالات في قُطر على حدة.

- تحليل الوضع الراهن على المستوي القطري، الإقليمي والدولي وتحديد الأزمات الرئيسية ونقاط الضعف والقوة، وكذلك الفرص والتهديدات المستقبلية.

- تحديد القضايا والتحديات ذات الأولوية والتأثير على مستقبل الأمة والثوابت المشتركة لأوطاننا.

- توصيف خرائط المشروعات المتدافعة في المنطقة، بحيث يكون المشروع العربي الإسلامي ضمن مشروعات أخرى أوسع، بما يعظم تحقيق المصالح.

- تحديد خرائط المجال الحيوي لحركة الدول العربية والإسلامية استباقا واستشرافا.

- تطوير الأدوات التقنية المبنية على نظم دعم القرار والذكاء الاصطناعي والدراسات المستقبلية، والذكاء الاصطناعي والنظم المعرفية.

- تطوير السيناريوهات المتوقعة والمتعلقة بمنطقتنا خلال العشرين عام القادمة.

- صناعة وتطوير سياسات عامة ومشاريع وخطط للتنمية المستدامة والبناء الرشيد، تخدم قضايا المنطقة وتعزز الفرص للتكامل العربي الإسلامي.

- دعم وتطوير عملية اتخاذ القرار واستشراف المستقبل من خلال مخرجات المركز بتقديرات موقف وتقارير ودراسات وسيناريوهات ومؤشرات وتوصيات.

- المساعدة في وضع خطط استراتيجية فعالة ومبادرة، مبنية على استشراف مبكر للمستقبل يضمن فهم آفاقه وأبعاده وتحدياته، ويقدم رؤى واضحة ودقيقة له.

- تطوير مستودع تراكمي معرفي لخبراء ومستشرفي الأمة، ليمثل الكنز الحقيقي للتخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل.

- الدعم في خلق تكتلات اقتصادية وسياسية (مارشال عربي إسلامي)، وخلق التكتلات ذات التأثير على القرار الدولي.

ويبقي هذا الطرح مجرد تصور لتبسيط تصور العقل الاستراتيجي الجمعي العربي الإسلامي وأولوياته، ولكنه يحتاج إلى عقول خبرائنا وعلمائنا لتنقحيه ودعمه ليجد النور، ويحتاج أيضا إلى قادة طموحين لتفعيله.
التعليقات (1)
متفائل
الثلاثاء، 09-10-2018 03:01 م
سألتني ابنتي بخصوص سلوك جارتنا في حينا العربي داخل حدود عالمنا العربي ، كيف هي مهتمة ببيتها تنظيفا وترتيبا وتويدا بأحدث التجهيات ووسائل التيين المستوردة من عالم استعمرنا طويلا ، الجارة نفسها ترمي من على شرفة بيتها بكيس الفضلات وتحتر حتى لا يراها المارة ، هذا مثال عن الحالة النفسية الاجتماعية ، بمعنى علاقة الفرد بالمجتمع ، حالة نفسية في اتجاه المحيط الجمعي أو ساحة المجتمع ، وحينما نتابع رحلتنا في رصد أكثر من سلوك في أكثر من دائرة يبدو ذلك جليا . غياب العقل الاستراتيجي الجمعي في حدود المدرسة والريف والمسجد والجامعة ، كارثة ، وصار المشهد عبارة عن ركام متحرك قاتل للهمم . انطلق الكاتب من منظور سيكولوجي ، قابل من خلاله بين عالم الاستعمار ( الغالب ) وعالم إنسان البلاد المستعمرة ( المغلوب ) وطالب ببناء مراكز بحث لحل المشكلة ، فماذا لو تابع كاتبنا المحترم توضيح المشهد من الزاوية التي بدأ بها عوض أن يتقدم بلائحة مطلبية يرجو الاستجابة لها في حدود الدوائر الحاكمة اليوم ؟