هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتضارب المعطيات بين الجانبين الفلسطيني واللبناني لجهة بدء الأجهزة الأمنية في لبنان بإقامة جدار عازل ثان حول مخيم الرشيدية في صور جنوبي البلاد، بعد الشروع في تنفيذ جدار مماثل في محيط مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا الجنوبية.
وتذرعت الأجهزة اللبنانية قبل نحو عامين بتشييد الجدار في محيط عين الحلوة لدواع أمنية، لا سيما بعد فشل التضييقات المستحدثة على منع المتسللين من وإلى المخيم، خصوصا لجهة هروب عدد من المطلوبين ومنهم بلال بدر القائد لإحدى المجموعات التي تنتمي إلى الفكر السلفي للأراضي السورية، بحسب ما تقول وسائل إعلام لبنانية.
إلى ذلك، تؤكد مصادر فلسطينية متطابقة شروع فرق هندسية لبنانية في عمليات التمهيد لإقامة الجدار في محيط "الرشيدية"، بينما تنفي الأوساط اللبنانية الرسمية أي نيّة لتشييد الجدار.
"إشاعة"
ووصف رئيس لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني الوزير السابق حسن منيمنة هذا الموضوع بـ"الإشاعة التي لا علاقة لها بأي مستجد بخصوص الإجراءات الأمنية في محيط المخيمات الفلسطينية".
وكشف منيمنة في تصريحات لـ"عربي21" عن النشاط الأمني في محيط المخيم، وقال إنه "تدبير اتخذته القوى الأمنية في المنطقة الزراعية المحاذية للمخيم بهدف الوقوف على مخالفات البناء لا غير"، مشددا على أن "الأوضاع طبيعية للغاية في المخيمات الفلسطينية في صور".
وتطرّق منيمنة إلى التخوفات التي نقلتها وسائل إعلام لبنانية عن أوضاع المخيمات الفلسطينية الأمنية، فقال: "تشير المعطيات إلى استتباب الأمور منذ فترة طويلة من النواحي الأمنية، ولا شيء يدعو إلى الريبة باستثناء بعض الخروقات في مخيم عين الحلوة الذي يضمّ بقايا مجموعات متطرفة"، متابعا: "هذا الموضوع قيد المعالجة التدريجية بالتنسيق بين القوى الأمنية اللبنانية والفلسطينية الموجودة داخل المخيم".
وحول ما يعانيه اللاجئون الفلسطينيون من أزمات حياتية بفعل القوانين المعمول بها في لبنان، أمل منيمنة أن "تسهم الحكومة الجديدة في لبنان في إقرار تحسينات جديدة بناء على وثيقة عملنا على إنجازها وفق مشاورات ومباحثات خلال السنتين الماضيتين"، مردفا: "يبقى الأمر منوطا بإقرار الوثيقة كي تأخذ منحى تنفيذيا".
"الفصائل قلقة"
وفي مقابل التطمينات اللبنانية، يبدو الفلسطينيون في مخيم الرشيدية قلقين من مخطط تدريجي يستهدف وجودهم، وأوضح المسؤول السياسي لحركة حماس في منطقة صور عبد المجيد عوض أنّ "الأهالي والمزارعين لمسوا نشاطا متتابعا لفرق هندسية تابعة للجيش اللبناني في محيط مخيم الرشيدية بما يؤشر إلى مخطط يراد تنفيذه في المرحلة المقبلة".
وأضاف: "تم التواصل مع المعنيين في الأجهزة اللبنانية من دون الحصول على إجابة توضيحية بشأن بناء الجدار".
وتحدّث عوض في تصريحات لـ"عربي21" عن سببين لإقامة هذا الجدار من وجهة نظر الطرف اللبناني، "الأول متعلق بما يسمونه إيقاف التمدّد السكاني للمخيم باتجاه محمية صور، والسبب الثاني من وجهة نظرهم يكمن في منع دخول الإرهابيين إلى المخيم مع بلوغ المعارك في إدلب مراحلها النهائية وفي ظل معلومات عن نوايا لاتجاه مسلحين إلى الجنوب اللبناني".
وأثارت الفصائل الفلسطينية التخوفات من أن يؤدي إنشاء الجدار الجديد إلى توتير العلاقات مع الجانب اللبناني.
"تخوفات"
وبينما يبدو الجانب الأمني غالبا في تحركات الأجهزة اللبنانية، أشار عوض إلى أن "الجدار لن يمنع الحوادث الأمنية"، مشددا على أن "مخيم الرشيدية حريص على أمن لبنان من خلال كونه بيئة للأمن والاستقرار، وما يدلّل على ذلك هو تسليم المطلوبين المتهمين بمحاولات الإخلال بالأمن اللبناني".
وعن المساعي لنقل التخوفات الفلسطينية إلى السياسيين اللبنانيين، لفت عوض إلى أن "حركة حماس عرضت خلال اللقاء السابق بين الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية في منطقة صور ملف الجدار محذرة من تبعاته"، كاشفا عن "لقاءات في الفترة المقبلة تجمع قوى التحالف الفلسطيني مع حركة أمل وحزب الله".
ودعا عوض إلى "حوار لبناني- فلسطيني على مستوى منطقة صور يطرح خلاله المشاكل التي يعاني منها اللاجئون والمضايقات التي يتعرضون لها"، مشددا على "رفض الفلسطينيين المتكرّر للتوطين". مبديا تخوفه من أن يكون "بناء الجدار خطوة جديدة نحو إسقاط حق العودة".
وتوقّع عوض أن "تلقى المساعي الفلسطينية تجاوبا من القوى اللبنانية"، كاشفا عن طروحات حول "تحويل الجدار إلى سلك شائك"، لكنه اعتبر هذا الخيار "مضرا هو الآخر بنحو 400 عائلة فلسطينية تعتاش من الأراضي المحاذية للمخيم".
التضييقات و"صفقة القرن"
من جانبه، اعتبر الباحث والكاتب الفلسطيني وليد محمد علي أن "كل تضييق على المخيمات يندرج في مخطط ما يسمى بصفقة القرن"، لافتا في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إلى أنّ "زيادة الضغط على الفلسطينيين ومحاولات تهميشهم يجعلهم كما قال ابن خلدون (عرضة للاستخدام)، وبأشكال سلبية".
وأكد أن "المجتمعات الهشّة لا تستطيع أن تقاوم الضغوطات، وما يحصل حاليا يضعف مناعة اللاجئين ويعزّز مساعي تصفية قضيتهم"، مشيرا إلى أن "اللاجئين الفلسطينيين هم من أفشلوا مخططات التوطين السابقة منذ خمسينيات القرن الماضي".
وطالب محمد علي "كلّ من يريد إفشال مخططات التوطين الحالية بتحسين ظروف الفلسطينيين الحياتية، مع ضرورة الفصل بين القضايا الأمنية المحقة والضغوط المعيشية التي تمارس على اللاجئين".
وعن تأثر العلاقة الفلسطينية اللبنانية بالإجراءات المتزايدة في المخيمات، اعتبر محمد علي أن "كلّ الضغوطات التي تمارس تؤثر سلبا في العلاقة الثنائية بين الطرفين، وتولّد بيئة شعبية تخدم الطرف الذي يريد تحقيق أهدافه من تصفية القضية على حساب الطرفين".