هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يقول المثل العربي الذي ينتشر في أكثر من دولة عربية: "الجنازة حامية.. والميّت كلب".
لا حاجة بالطبع لشرح واسع للمثل، ولكن نكتفي بالقول بأنه يعبر عن حالة النقد لانشغال الناس بأمور غير مهمة وإعطائهم لها حجما واهتماما أكبر مما تستحق.
لقد ضجت وسائل الإعلام العربية والفلسطينية، ووسائل التواصل الاجتماعي باللطم والندب والجنائز الرمزية، بمناسبة مرور 25 عاما على توقيع أوسلو، وكأن أحدا في العالم لا يزال يعتقد بأن هناك مسارا اسمه أوسلو، وأن هناك خيارا سياسيا مبنيا على هذا المسار.
لقد كانت جنازة حامية بالفعل، شهدت جميع أنواع اللطم والبكاء وشق الخدود، ولكن الميّت لم يكن سوى مسار انتهى منذ زمن طويل، ولم يبق منه سوى تاريخ يمكن للأجيال أن تقرأه أو تلعنه أو تحزن على فقدانه، ولكن الأهم أن تستفيد منه.
لم نكن نحتاج لخمسة وعشرين عاما لإعلان وفاة أوسلو وانكشاف بطلانه، بل إن كثيرين من الشعب الفلسطيني والعربي عرفوا بأن هذا المولود الذي خرج في ظروف شديدة البؤس عربيا ودوليا وفلسطينيا كان قد ولد مشوها، ويحمل بذور فشله في داخله.
أما من آمنوا به بناء على حسابات سياسية خاطئة في ذلك الوقت، فقد اكتشف معظمهم خطأ هذه الحسابات مع نهاية الفترة الانتقالية وفشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، ولعل أول المكتشفين لذلك هو الرئيس الراحل ياسر عرفات، فيما احتاج البعض الآخر لسنوات أخرى ليصل إلى نفس النتيجة.
أي قرار مصيري سيتخذه أي طرف فلسطيني تحت ضغوط آنية سيقود إلى مسار كارثي هو الآخر، وينطبق هذا على حماس وغيرها.
لقد حدث هذا عندما تفردت فتح بالدخول إلى متاهة أوسلو، وهو مرشح أن يحدث أيضا إذا تفرد أي طرف فلسطيني في مسار آخر يمكن أن يتحول إلى كارثة.
كان خطأ منظمة التحرير منذ تأسيسيها التركيز على النضال من خارج فلسطين مع التفاتة بسيطة وغير مركزية للداخل، ثم جاءت أوسلو لتتخلى عن فلسطينيي الخارج وعن فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948
ولذلك فإن الأولوية الأولى فلسطينيا برأينا هي تشكيل قيادة واحدة موحدة من كافة الفصائل وبتمثيل جيد للمؤسسات والشخصيات من الداخل والخارج، وبأكثر الطرق الممكنة ديمقراطيا، بحيث تكون القرارات الوطنية الاستراتيجية تعبر تعبيرا حقيقيا عن الشعب الفلسطيني من جهة، وتستفيد من خبرات كافة أبنائه وتوجهاته من جهة أخرى.
ثانيا : إن اتخاذ قرارات مصيرية بناء على ضائقة مالية مرحلية، أو مأزق سياسي مرحلي، سيؤدي بلا شك إلى اتخاذ قرارات كارثية.
لقد حصل هذا مع الراحل ياسر عرفات عندما توجه إلى أوسلو بسبب المأزق العربي بعد حرب الخليج الأولى وهزيمة الاتحاد السوفييتي، وبسبب الأزمة المالية التي نتجت عن انحياز المنظمة لصدام حسين بعد غزو العراق، فكان أن قاد هذا التوجه كل المشروع الفلسطيني إلى مأزق استراتيجي لم ننته منه حتى الآن.
وبالطبع فإن أي قرار مصيري سيتخذه أي طرف فلسطيني تحت ضغوط آنية سيقود إلى مسار كارثي هو الآخر، وينطبق هذا على حماس وغيرها.
ثالثا : لا يمكن للفلسطينيين الانتصار في صراعهم إذا لم تشترك جميع فئاتهم في النضال، ولا يمكن أن يجزأ المشروع الوطني وأن يقتصر على قطاع دون آخر.
لقد كان خطأ منظمة التحرير منذ تأسيسيها التركيز على النضال من خارج فلسطين مع التفاتة بسيطة وغير مركزية للداخل، ثم جاءت أوسلو لتتخلى عن فلسطينيي الخارج وعن فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، وهو ما حرم فئات كبيرة من الشعب الفلسطيني حقوقها، كما حرم المنظمة أيضا من جهود هذه الفئات. إن أي انطلاقة جديدة في النضال الفلسطيني لا بد بأن تؤخذ بعين الاعتبار أن تشمل الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، كل حسب مكانه وحسب قدرته على المشاركة.
رابعا: إن الكارثة الحقيقية التي تسبب بها مسار أوسلو هي تحويل شكل الصراع، من خلال تحويل هدفه ابتداء، فبدلا من السعي للتحرير أصبح هدف الصراع هو تشكيل سلطة بأي طريقة، وهو ما جعل الصراع يتحول إلى نزاع بين كيانين جارين بدلا من كونه صراعا بين احتلال ظالم وشعب محتل.
لقد أدى هذا التشويه لشكل الصراع إلى جعل الاحتلال الإسرائيلي بلا ثمن سياسي أو اقتصادي أو لوجستي بالنسبة لتل أبيب، وهو ما سيحتاج لجهد كبير من الفلسطينيين لإعادته إلى مسار الحقيقي من خلال نضالات وتضحيات كبيرة.
تفرد طرف فلسطيني دون الأطراف الأخرى بالقرارات الاستراتيجية يمثل خطرا جذريا على المشروع الوطني
هذه هي الخلاصة الجوهرية لمسار أوسلو، وهذا ما يجب أن يعيه الفلسطينيون بكافة اتجاهاتهم لمنع استمراره وحدوثه مستقبلا، بدلا من الانشغال بجنازة الميت غير المأسوف على شبابه!!