هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كثير من مراكز البحوث الاستراتيجية حول العالم تعتبر جُزءا من الصراعات الدولية، أو أنها أداة من أدوات الحرب الباردة المستعرة بين القوى العالمية. والحصيف لا يقرأ أو يكتفى بالوقوف على ظاهر تقارير تلك المراكز وإنما يسبر غورها ويحلل الظروف والملابسات التي تمسك بتلاليبها. الأسبوع الماضي صدر تقرير غربي في لندن عن أحد مراكز البحوث الاستراتيجية، متهما الصين بتأجيج تجارة الأسلحة السرية في القرن الإفريقي. ويقول التقرير الصادر عن مركز Businesses Risk Intelligence إن الصين تقوم بنشاط محموم كمورد رئيسي للأسلحة في القارة السمراء، وأنها تصعّد شحناتها من الأسلحة إلى مناطق النزاع عبر جيبوتي في القرن الإفريقي.
وكأني بالصين ترد وتقول: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". فمن من القوى الكبرى في العالم من لم يتورط سواء في تأجيج الصراعات الإقليمية أو في دعم الأنظمة الديكتاتورية وهي تبطش بشعوبها، بهدف الربح الفاحش من تجارة السلاح؟
التقرير الذي وجّه سهام النقد إلى الصين يقول إنه بالإضافة إلى الهدف التجاري المتمثل في زيادة مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية الصينية، تسعى بكين أيضا إلى السيطرة على حصة أكبر من تجارة الأسلحة في إفريقيا من أجل حماية استثماراتها في البنى التحتية الواسعة في القارة. ومضى التقرير يقول إن المحور المركزي لهذه التجارة هو القاعدة اللوجستية العسكرية التي أقامتها الصين في جيبوتي، والتي تمرر عبرها شحنات الأسلحة والمعدات العسكرية على نطاق واسع إلى البلدان الإفريقية، لا سيما السودان وجنوب السودان.
ربما لا تجد الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا أو أوروبا غضاضة في بيع الأسلحة لإفريقيا والعالم الثالث، فنحن لا نعيش في جمهورية أفلاطون الفاضلة، بل نعيش في عالم دون أخلاق أو مبادئ. لكن السؤال المحوري: لماذا تهدر حكومات العالم الثالث موارد بلادها في شراء الأسلحة، بينما تتراجع ميزانيات التعليم والصحة والتنمية عموما، أمام ميزانية شراء السلاح؟
بينما لم يعد هناك مهدد أمني عسكري ذو بال للولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة في العالم بعد انهيار المنظومة الشرقية، فقد برز أمام المارد الأمريكي مارد اقتصادي وربما عسكري في آن واحد يهدد أمنه الاستراتيجي. ويدور الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية اليوم على أشده حول النفط، أهم سلعة استراتيجية على الإطلاق.
بيد أن هذا الصراع لا يتخذ أشكالا تقليدية بسبب الحذر الصيني، وربما اعتماد بكين على (تكتيك) محمد علي كلاي أشهر ملاكم في لعبة الملاكمة، الذي يقوم على امتصاص الضربة تلو الضربة والتراجع المستمر وعدم مسايرة الخصم، ورد ضرباته حتى تحين الفرصة الملائمة وتوجيه ضربة للخصم حتى ولو طال أمد المعركة.
وعلى ما يبدو أن ضغط واشنطن على بكين يتمدد إلى فضاءات عديدة في السياسة والإعلام عبر محاولات تأليب الدول الأخرى ضد سعي الصين لشراء حصة أكبر من نفط إفريقيا، هذا في الوقت الذي تعمل فيه العديد من وسائل إعلام المنظومة الغربية على خلق صورة ذهنية سالبة، تصور الصين باعتبارها مستعمرا جديدا للدول الإفريقية.
الولايات المتحدة، باعتبارها من أكبر المستهلكين والمستوردين للنفط في العالم، تعتبر الصين التحدى الأكبر لها في القارة الإفريقية، حيث إن بكين، استطاعت خلال العقدين الماضيين أن تصبح الحليف الأكبر للقارة الإفريقية. ومن جهة ثانية تنظر دول عديدة في العالم إلى قوة الصين المتعاظمة كدولة اقتصادية داعمة لاقتصاد بعض الدول الفقيرة، وقوة نامية يمكن الاستفادة منها مستقبلا وتأمل بعض الدول في أن يحقق التفوق الصيني المتنامي في نهاية الأمر الهيمنة الأمريكية، ولاسيما في ظل العديد من المؤشرات التي فضحت استراتيجيات الولايات المتحدة القائمة على الهيمنة، الأمر الذي مهد الطريق للتكاتف حول التيار الساعي لوضع حد سيطرة القطب الواحد، بعد أن بدأ العالم يتململ من الجشع الرأسمالي. لكن لا أحد يعلم هل يستجير أولئك من الرمضاء بالنار؟
عن صحيفة الشرق القطرية