هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يشكل قرار محكمة الاحتلال الصهيونية في القدس الأسبوع الماضي، والذي أعطى الشرعية القانونية لمستوطنة متسبه أكرميم، والقائمة على أراضي خاصة يمتلكها الفلسطينيون في منطقة غرب رام الله، فرصة هامة لإظهار مشكلة الاستيطان كأساس للمشروع الصهيوني بصيغته القومجية الجديدة، والتي تهدف للقضاء على أي احتماليات لحل سياسي قائم على المشاريع و التسويات الدولية.
وكذلك للوقوف على مدى تطور أو بالأحرى وقاحة طرق التلاعب والغش التي تستخدمها دولة الاحتلال للسيطرة على المزيد و المزيد من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، فما هي معاني و دلالات هذا القرار؟
لقد قررت محكمة الاحتلال ظلما و بهتانا إمكانية تسوية أوضاع المستوطنين في هذه المستوطنة على الرغم من أنها مبنية على أراض فلسطينية خاصة، و لكن السيطرة على هذه الأرض تمت تحت ظروف خاصة و هي منح الدولة هذه الأرض للمستوطنين ظنا منها (و بحسن نية) أنها أراضٍ تمت مصادرتها وفق القانون و بأمر عسكري (وهي ظروف خاصة تنطبق أيضا على 1048 حالة استيطانية أخرى)، علما أن قرارات محكمة العدل العليا في إسرائيل قد قررت في قضية مستوطنة ألون موريه – نابلس 1979 أنه لا يجوز إصدار أوامر عسكرية للسيطرة على أراض فلسطينية إلا في حالة وجود (حاجة أمنية) و هذا يمنع المصادرة لحاجات (الاستيطان المدني)، و الذي يمتلك من وسائل التلاعب و الاحتيال الأخرى ما يغنيه عن تكتيك (الأمر العسكري) .
لقد تميز هذا القرار أيضا في كونه قد جاء في خضم خلاف و جدل بين قوى اليمين القومجي المتصاعد في إسرائيل و المطالب بتسوية الأوضاع القانونية لآلاف الوحدات الاستيطانية المعرفة و حتى في قانون الاحتلال الظالم كمستوطنات غير قانونية و ذلك لمنع إمكانية إخلائها كما حدث في عامونا، و ذلك من خلال مشروع قانون جديد يسمى (هسدرا) و بين القوى المؤيدة لإخلائها لأنها غير قانونية كمؤسسات و جمعيات حقوقية.
وعليه فقد احتفى و رحب اليمين الاستيطاني بقرار المحكمة و ذلك على لسان وزيرة العدل شاكيد و عضو الكنيست المتطرف سموطرتش، واعتبروه نصرا للاستيطان و المستوطنين .
يندرج قرار المحكمة تحت أحد أهم الطرق الرئيسية لسلب الأراضي الفلسطينية لإقامة المستوطنات و هي طريقة شرعنة و قوننة هذه السرقة بأثر رجعي، من خلال قرارات المحاكم أو الأوامر العسكرية، و ذلك لحين البت في مصير قانون الـ(هسدرا) الجارف و الهادف لقوننة كل المستوطنات غير الشرعية، و يسمى أيضا قانون (تبييض المستوطنات) أو باسمه الرسمي قانون تسوية المستوطنات في يهودا و السامرة لعام 2017، و الذي أقرته الكنيست الإسرائيلي في 6-2-2017، و ذلك إلى جانب طرق رئيسية أخرى من أهمها: شراء الأراضي بالخداع و الاحتيال، أو بالتهديد أو من خلال السماسرة الغادرون، و أسلوب سرقة الأراضي من خلال (أوامر عسكرية) ثم طريقة تحويل ملكية الأرض لتكون (أراضي دولة) ثم منحها و على طبق من ذهب للمستوطنين بردا و سلاما .
لقد تزامن هذا القرار مع ذكرى مرور 25 عاما على اتفاقية أوسلو، والتي لم تحتو على نص أو إشارة تمنع دولة الاحتلال من التوسع و الاستيطان في منطقة "ج" بل احتوت على نصٍ واضح يمنح إسرائيل المسؤولية الكاملة على المستوطنات القائمة، وعلى أمنها، وعليه زادت إسرائيل من نشاطها بشكل ملحوظ لتشجيع و تنشيط ودعم الاستيطان، الأمر الذي أسهم بوضوح في جعل المستوطنات تتمتع بجودة حياة عالية وجاذبة للمستوطنين، وبهذا أصبحت أوسلو نعمة و رخاء للمستوطنين و المستوطنات.
لم تقم السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن بالحد الأدنى المطلوب منها بشكل عام و هذا القرار بشكل خاص، على الرغم من تأكيدها المستمر على أنها صاحبة الشرعية الوحيدة المكلفة بقرارات الحرب و السلم، لذلك قامت و لا تزال بمحاربة أي نوع من أنواع المقاومة العنيفة للاستيطان و المستوطنين، و ذلك من خلال التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية بحجة أن طريقتها في مواجهة الاستيطان هي الأكثر نجاعة و فاعلية و هو أمر لا تؤيده وقائع الاستيطان تغول و زيادة الاستيطان على الأرض .
يبدو أن قرار محكمة الاحتلال الأخير قد أضعف و قلص هامش نضال من يؤمنون (بالنضال القانوني) و الضيق أصلا لمواجهة ممارسات الاحتلال بشكل عام، و لسرقة الأراضي بشكل خاص، و جاء ليدعم و يؤكد ما يراه الكثير من الفلسطينيين من أن الاستيطان كقضية سياسية بالدرجة الأولى و ليست قانونية فهو أداة و إفراز للاحتلال الغاشم، لذا فلا يمكن وقفه إلا من خلال تعزيز المقاومة له بكافة أشكالها، وعلى الأقل من خلال وقف التنسيق الأمني الذي يمنح المستوطنين الشعور بالأمن والأمان لاستمرار ممارساتهم، ويستشهدون لذلك بمرحلة انتفاضة الأقصى حيث تقلصت أعداد المستوطنين بصورة كبيرة رغم كل إجراءات الحراسة و الحماية التي كانت قد وفرتها حكومة شارون .