هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انزلقت السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية إلى مستوى منحدر
جدا، حتى اقتربت من حد الرعونة في ظل السلوك الاستقوائي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية
الأخيرة التي تطل علينا وعلى العالم بين الفينة والأخرى بضربة سياسية جديدة أو
مؤامرة -رغم مرارة هذا المصطلح- تنفذ من خلالها جزءا من المشروع الصهيوني في
فلسطين التاريخية كونها أخذت على عاتقها استكمال تنفيذ هذا المشروع العدواني
التوسعي الاغتصابي والاقتلاعي الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من النهر إلى
البحر.
تحول النهج الأمريكي منذ تولى ترامب رئاسة البيت الأبيض من نهج قائم
على السياسة والدبلوماسية ولو نسبيا وأحيانا شكليا إلى نهج عقائدي بامتياز يدين
بالولاء للصهيونية التوراتية المتطرفة جدا ولم تعد هناك مساحة للفعل السياسي
والدبلوماسي التي تقوم عليه العلاقات الدولية وفق الأعراف والقوانين والقواعد
المعمول بها.
مصادرة الحقوق الفلسطينية من قبل الإدارة الأمريكية وانتزاعها من أصحابها
الشرعيين كما ينتزع الوحش المفترس أحشاء فريسته ومنحها للعدو الإسرائيلي مجانا
تصرف أهوج وارعن أخذت تظهر ملامحه وانعكاساته السلبية المرتدة على تلك الإدارة إذ أفقدتها
توازنها وجديتها وأهليتها وقبل كل شيء دورها القيادي للعالم الذي يفترض أن يكون
وازنا وصمام أمان للأمن والسلم العالميين ما أدى إلى اضمحلال وتقلص حجم تأثيرها
ونفوذها في العالم وبالتالي تراجع هيبتها رغم قوتها الخارقة وفقدانها احترامها أمام
دول العالم.
الجميع يقر ويعترف بأن الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى والأقوى
في العالم عسكريا واقتصاديا وصناعيا، لكن هذه القوة لا يمكن أن تمنحها الحق في
اغتصاب الحقوق الفلسطينية واتخاذ قرارات أحادية الجانب كما فعلت عندما اعترفت
بالقدس عاصمة موحدة للكيان المحتل، وتسعى الآن إلى إلغاء حق العودة للاجئين
الفلسطينيين، كما ألغت سابقا صفة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام
1967، وشجعت الاحتلال على إقرار قانون يهودية وقومية «دولة الاحتلال» وإلغاء الآخر،
وكل هذه الإجراءات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل ضمن سياسة الخطوة
خطوة وصولا إلى شطب فلسطين كدولة وشعب عن خارطة الشرق الأوسط واستبدالها «بدولة
العدو الإسرائيلي المحتل».
الإدارة الأمريكية حاليا تواجه مأزقا داخليا وخارجيا وهي على وشك أن
تدخل مرحلة الغرق في الوحل، فعلى الصعيد الداخلي خلافات وصدامات قوية مع قوى
مركزية تستطيع أن تلوي ذراع ترامب في أي وقت، وعلى المستوى الخارجي تواجه أزمات
حادة مع إيران وكوريا الشمالية والصين والمكسيك وروسيا ودول أخرى كثيرة، وفي الشرق
الأوسط غير مرحب بها وبدورها لان الموقف من القضية الفلسطينية يعتبر باروميتر
العلاقات العربية مع الدول الأخرى مهما بلغت قوتها.
المراجعة الشاملة للسياسة الأمريكية في منطقتنا ضرورة حتمية وملحة
ووقف التهور والاندفاع الأمريكي المنحاز كليا للاحتلال الصهيوني مسؤولية دولية قبل
أن تكون عربية.
عن صحيفة الدستور الأردنية