هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بينما كانت آمالُ ملايين التونسيين موجّهة إلى حركة النهضة للتصدي لمشروع قانون المناصفة في الإرث بين الجنسين وإفشاله، لأنها صاحبة الأغلبية في البرلمان، صدمتهم الحركة بمقالٍ نشره زعيمُها راشد الغنوشي على صفحته الرسمية بـ”فايسبوك” بدا فيه شديدَ الحرص على إرضاء العلمانيين بأيّ وسيلة بشأن هذا المشروع القانوني؛ فقد وعد بـ”التفاعل” مع مبادرة الرئيس السبسي عندما تُقدَّم إلى البرلمان “بما تقتضيه من الحوار والنقاش للوصول إلى الصياغة التي تحقق المقصَد من الاجتهاد…”؟!
ويُفهم من هذه العبارة أن النهضة لن ترفض مشروع قانون المناصفة في الإرث لمخالفته الصريحة لنصّ الآية القرآنية “للذكر مثل حظّ الأنثيين”، وستوعز إلى نوابها بـ”الاجتهاد” في المسألة والبحث عن “صيغةٍ مُناسِبة” تُرضي الأقلية العلمانية التونسية، كأنْ تربط مثلاً حصولَ الأخت على مثل حظ أخيها بشرط الإنفاقِ على العائلة، بدل أن يكون الإنفاقُ بيد الرجل وحده.
وما يؤكّد هذا الاتجاه هو تشديد الغنوشي على “التوافق مع رئيس الجمهورية” في هذه المسألة وغيرها، فضلا عن التهجّم على أحد أعضائها وهو المحامي فتحي العيّوني بعد أن دعا إلى عزل السبسي من الحكم، وكذا تهجّمه على كل الغيورين على دينهم الذين انتقدوا الرئيسَ على تجاوزه الشريعةَ الإسلامية في مسائل الإرث؛ إذ وصفهم الغنوشي بـ”العابثين” ودعا أجهزة الدولة إلى التحرّك لضربهم في إطار القانون… وكل هذه المؤشرات تؤكّد أن النهضة ماضية في قبول قانون المناصفة في الإرث مع إضافة بعض العبارات إليه باسم “الاجتهاد؟”، ولسنا ندري هنا كيف يمكن “الاجتهاد” في مسألةٍ حسمها الخالقُ منذ 14 قرنا من فوق سبع سماوات، بآياتٍ قطعية الدلالة والثبوت ولا تحتمل أي اجتهاد أو تأويل، وقد فصّل الله تعالى في سورة النساء كيفية تقاسم الإرث بين الأقارب وحظ كل واحد منهم، تفصيلا دقيقا، ولم يترك الأمر لعباده، وكل الفقهاء أجمعوا عليها عبر التاريخ الإسلامي، ومختلف قوانين الدول الإسلامية حول الإرث مستمدّة منها، فكيف يمكن الآن أن تكون محلّ “اجتهادٍ” من النهضة أو غيرها؟!
إما أن يكون “للذكر مثل حظ الأنثيين” كما قال الخالق، أو يكون “للذكر مثل حظ الأنثى” مثلما قال هؤلاء التغريبيون في إحدى مسيراتهم، والعياذ بالله، وليس هناك حلٌّ وسط بين الاثنين، ولا ينفع في هذه المسألة مسكُ العصا من الوسط. تُرى هل فقدت النهضة قدرتها على التفكير السليم؟! هل انتخبها الشعبُ التونسي للدفاع عن دينه الذي حملت لواءه طويلا، أم لبيعه بثمنٍ بخس للعلمانيين المتطرِّفين؟
يبدو أن النهضة سترتكب خطأ فادحا تخسر به دينَها وشعبيتها معا، وتوجِّه في الوقت نفسه ضربة موجعة للإسلام المعتدل الوسطي؛ إذ ستقدّمه للناس على أنه أصبح يعني الميوعة في المواقف والتنازلات المهينة والصارخة عن ثوابت الدين وأحكامه القطعية لإرضاء غلاة العلمانيين باسم “التوافق” المزعوم، ونأمل بصدق أن نكون مخطئين في هذه النقطة، وأن تقرر النهضة في آخر المطاف الوقوفَ مع غالبية التونسيين وليس مع أقليةٍ من الكارهين لأحكام الشريعة.
عن صحيفة الشروق الجزائرية