هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد سنوات من تركيز الصحافة العالمية على تنظيم
"الدولة الإسلامية" عادت فجأة أخبار زعيم تنظيم "القاعدة"
أسامة بن لادن لتثير الاهتمام، فبعد مقابلة مثيرة مع والدته علياء غانم، نشرت
الصحيفة نفسها تقريرا مثيرا عن زواج حمزة بن أسامة من ابنة محمد عطا، الرأس المدبر
لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
مقابلة والدة بن لادن أكدت معلومة مثيرة قد
تفيد الباحثين في تاريخ بن لادن و”القاعدة” والحركات الإرهابية المسلّحة، وهي أن
علياء غانم سورية من الطائفة العلوية، وجزء كبير من عائلتها ينتمي، حسب ما أكدته
مصادر خاصة لـ”القدس العربي”، لما يسمى بـ”المرشديين”، وهم أتباع سليمان المرشد،
الذي قامت حكومة الاستقلال السورية بإعدامه شنقا عام 1946 بتهمة ادعاء الألوهية.
حتى وفاته في أيار/مايو 2011، كان بن لادن زعيم
أحد أخطر التنظيمات السرّية في العالم، والمسؤول، بشكل مباشر، عن هجمات
أيلول/سبتمبر عام 2001 في أمريكا، والتي أدّت، بالنتيجة، إلى اجتياح الولايات
المتحدة الأمريكية لأفغانستان، ثم للعراق، لكنه، بالنسبة لوالدته، ما زال الطفل
الخجول والمتفوق في دراسته، الذي تحتفظ أمه له بصورة في إطار من الخشب المذهب،
عازية ما حصل لاحقا إلى “رفاق السوء” الذين كانت تنصحه دائما بالابتعاد عنهم!
ما كان لقضية الأم السورية/العلويّة لبن لادن
(التي طلّقها والد أسامة لاحقا فتزوجت محمد العطاس، أحد الموظفين في امبراطورية
عائلة بن لادن المالية وأنجبت منه أخوين غير شقيقين لأسامة) أن تثير شديد أهمّية
لولا بضع وقائع تاريخية أخرى غريبة، منها، على سبيل المثال، أن والدة صبري البنا،
أبو نضال، قائد أشهر التنظيمات السرّية الفلسطينية، كانت بدورها، علويّة سورية.
خصص الباحث البريطاني باتريك سيل في كتابه “أبو
نضال: بندقية للإيجار”، بعضاً من صفحات كتابه الشديد الإثارة للحديث عن الإهانات
التي كانت تتلقاها والدة البنا بسبب جنسيتها وطائفتها ووضعها الطبقي، من قبل إخوته
غير الأشقاء، وطردها من منزل العائلة حين كان في السابعة، وأثر ذلك الكبير على
سلوكه السياسي اللاحق.
لا ضرورة كبيرة للتذكير بالسيرة الشهيرة لبن
لادن، ويمكننا اختصار ذلك بذكر هجمات نيويورك، 2001، التي أسفرت عن مقتل الآلاف،
وتفجيرات مدريد، 2004، ولندن، 2005، كما أن البنا متهم بشن هجمات في عشرين دولة
أسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 900 شخص، بما فيها تفجيرات في مطاري روما
وفيينا، كما قام بتصفيات داخل منظمته أدت لمقتل أكثر من 800 رجل وامرأة، وهم ما
يقارب ثلث إلى نصف عدد أعضاء منظمته، واغتال عددا من القادة الفلسطينيين الكبار كصلاح
خلف وهايل عبد الحميد، وقد اتهم بمحاولة اغتيال رئيس فلسطين الحالي محمود عباس.
هناك عناصر مثيرة أخرى تجمع بين قصتي بن لادن
وأبو نضال، فبن لادن من أسرة سعودية (من أصل يمني) هائلة الثراء، كما كانت أسرة
أبو نضال غنية جدا (يقول إخوه محمد خليل إن أباه كان أغنى رجل في فلسطين)، وكلا
الأمّين تطلّقتا من الوالد (كانت والدة البنا الثامنة ضمن زيجات والده الكثيرة
وكانت إحدى خادمات العائلة)، وهو أمر على علماء النفس والاجتماع تمحيص أثره
النفسيّ على الشخصيتين وكيفية انعكاسه على سيرتيهما اللاحقتين.
لصبري البنا علاقة بالسعودية أيضا فقد سافر
إليها عام 1958 وشكل تنظيما صغيرا لعدد من الشبان أطلقوا على أنفسهم اسم “المنظمة
الفلسطينية السرية”، وهو ما أدى لاعتقاله وتعذيبه ثم طرده، وكما كانت لبن لادن
محطة مهمة في حياته في السودان (1990 ـ 1996)، فقد كان أبو نضال مندوب حركة “فتح”
في السودان عام 1969.
وفي حين كان عبد الله عزام، الإسلامي
الفلسطيني، المعلم الجهادي الأول لبن لادن، فإن البنا اتجه في بداياته إلى حزب “البعث”،
ثم لاحقاً إلى حركة “فتح” عام 1967، وإلى التجارة في الوقت نفسه حيث تعاظم نفوذ
شركته “إمبكس” في الأردن (التي بقي فيها بعد مذابح أيلول/سبتمبر 1970) واستفاد
خلال فترة إقامته هناك من صفقات التجارة والأسلحة، كما أنها كانت غطاء ماليا لأعمال
سياسية مختلفة، قبل أن ينشقّ عن الحركة في بداية السبعينيات ويشنّ حربا دموية ضدها.
للقارئ أن يحلّل هذه المعلومات كما يهوى، لكنّ
منطوقها الأساسيّ، في رأيي، لا يجب أن يقرأ ضمن الإطار النفسي والاجتماعي العائليّ
فحسب، بل ضمن السياق السياسي الكبير، فهذه التصدّعات النفسيّة الكبرى التي أنتجت
شخصيتي بن لادن وأبو نضال، ما كان لها أن تثير هذه الصدوع السياسية الكبيرة، ضمن
المشروع الفلسطيني والعربي والإسلامي، لولا الاختلالات السياسية العميقة التي
تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية، وكما أن الأم المهانة، لكونها من جنسية
وطائفة أخرى ومن طبقة فقيرة، والمطلّقة (والمطرودة في حالة البنا)، هي تفصيل مساعد
في فهم الشخصيتين، فإن البلاد المفقرة والمغتصبة والمطرود أهلها، والتي يسيطر
عليها الاحتلال والاستبداد والطغيان، هي المتن الحقيقي الذي يتسع لكل الهوامش
الأخرى.
(القدس العربي)