قضايا وآراء

هل انتصرت الثورة المضادة وهُزم الربيع العربي؟

محمد شريف كامل
1300x600
1300x600
منذ مطلع السبعينيات والثورة المضادة تتقدم وتسيطر كل يوم على مربع جديد من رقعة الصراع. صراع لم يتوقف منذ بدء الخليقة، ويزداد تمكن الثورة المضادة كل يوم حتى أصبحت تملك زمام الأمور على أغلب الأرض العربية، إن لم يمكن كلها. وكان حلم الربيع العربي نداء صحوة لأن يسترد الشعب، كل الشعب، مقدرات أموره، فخرجت الجماهير في كثير من الميادين العربية مطالبة بحقوقها، مضحية بحياة خير شبابها.

وفي مصر، خرجت جماهير الربيع العربي مدركة تماما أنه لا خلاص إلا بتصالحها مع ماضيها، فوقف شباب الإخوان بجوار الشباب الناصري وشباب الوفد والأحزاب القومية والشيوعية، ورُفعت المصاحف والصلبان، وتغنى الجميع في حب مصر نشيد مصر "بلادي"، ورفع الجميع علم مصر الأوحد والمعبر عن إرادة شعبها.

تصور الجميع أنه قد حانت لحظة النصر، ولكننا جميعا لم ندرك أن قوى الثورة المضادة وقوى الرجعية العربية قد اتحدت بشكل كلي مع أعداء الأمة لإسقاطها، فكانت أخطاء الجميع وبلا استثناء، وتعدت بعض الأخطاء لتصل إلى حد الخطيئة، فنجح الانقلاب في شق الصف وإسقاط الشرعية، وأعانه البعض على شق لحمة الشعب، مصاحف وصلبان، إسلامي ويميني ويساري، وأنقسم الشعب.

وبقي في صف الوعي بعض من القوى السياسية والأفراد، وكان من الضروري أن تتجمع تلك القوى وتعد العدة لمنازعة الثورة المضادة واسترداد ثورتها المغتصبة، وتعاهد الجميع على أن يعيدوا وحدة الربيع العربي، ولكنهم سرعان ما استسلموا لرغباتهم القاصرة والمغلبة لنزعة الانتقام، وبدلا من أن يستردوا روح الثورة؛ وقعوا في مصيدة الانقلاب وروجوا لأفكاره.. أفكار تقسيم الشعب.

ورغم إعجابهم الشديد بالتجربة التركية ومسار أردوغان الذي مثل تجربة نجاح، لم يدركوا أن نجاح تجربة أردوغان جاء عن وعي بضرورة التصالح مع التاريخ وقبول متغيراته.

لقد كان أهم أهداف كامب دايفيد هو إخراج مصر من معادلة القومية العربية والصراع مع الحركة الصهيونية العنصرية، واُختطف الجيش المصري وطٌوع ليصبح أداة في أيدي الرجعية، فبعد أن كان البعض يلوم مصر على دورها في تفعيل الثورة العربية والتحرر الأفريقي، أصبحت مصر اليوم أداة في أيدي قوى الرجعية تسحق ثورتي سوريا وليبيا، وتدمر اليمن وتسلم فلسطين وأفريقيا، بل المنطقة بالكامل للحركة الصهيونية، ناهيك عن سحقها لشعب مصر في الداخل ومطاردته في الخارج.

وكلما خطت الرجعية العربية وعميلها في مصر أي خطوة على طريق تدمير الأمة قدموا لنا أدلة عوجاء عن أنهم امتداد لثورة 1952، وأنهم حاملو شعلتها في مواجهة الردة الإسلامية، وكأن آل سعود كانوا هم رمز الثورة، وتناسى البعض أن آل سعود، زعماء الرجعية العربية وصانعي السيسي، هم من وقفوا في وجه كل الثورات العربية، وهم من دبروا حرب 1967، وهم من أداروا استسلام كامب دايفيد من خلف الأسوار، وجاء اليوم ليقودوا علنا آخر خطواتها.

وللأسف، سارع العديد ممن يحملون شعار الثورة ويسيرون في موكبها بصب اللعنات على كل ما حدث في مصر منذ 1952، بل ذهب قطاع منهم للترحم على فساد ما قبل 52، بل ولعن الثورة في حد ذاتها، ومن قام بها ومن أيدها، وصب اللعنات على جيش مصر وكأنه المسؤول عن كل مصائب الأمة. وكلما جاءت مناسبة تبارى ذلك التيار "الثوري" في تصوير النظام الحالي على أنه امتداد لثورة 52، مؤيد لرواية السيسي عدو الثورات الأول، مثلما كان حال السادات ومبارك.

ومنهم من اشتاق لأسرة محمد علي ويدعو لعودة الملك، ومنهم من بدأ يصب اللعنات على كل ما في مصر منذ محمد على، وبدأوا إعادة كتابة التاريخ من خلال مذكرات المأجورين والراقصات، بل والساقطات.. ثورة 52 وكل الثورات عبر التاريخ ليست فوق النقد والتفنيد، ولكن هناك فارقا كبيرا بين النقد والتفنيد بهدف البناء وبين الإهانات والتجريح وترويج الأكاذيب.

لقد قطعت عهدا على نفسي ألا اتحدث في هذا الأمر، وأن أقبل أي إهانات توجه لثورة 52 أو لزعيمها جمال عبد الناصر، قانعا بأن معركتنا اليوم أكبر من ذلك، حتى أنني قد جمعتني منصات لأناس يبذرون الأكاذيب، ولم أتفوه بكلمة واحدة، لأن هناك هدفا أسمى.

كل ذلك كان عن إيمان بأن ثورة 25 يناير 2011، والتي جاءت لإسقاط فساد عشش ثلاثين عاما، وطالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولإسقاط مشروع التوريث.. تلك الثورة ستحقق ما أخفقت في تحقيقه مصر عبر التاريخ، وأنها ستستفيد من إنجازات 52 وستصحح أخطاء من حكموا مصر بعدها.

إن الإصرار على أن الأمور ذات لونين فقط: أبيض وأسود، وأننا إما على صواب كامل أو خطأ كامل ما هو إلا درجة من درجات الطفولة والمراهقة السياسية. لقد صدر لنا النظام الفاشي الذي يتحكم في مصر، بل وفي المنطقة بالكامل، مرض التخوين ومقولة الإقصاء: "إن لم تكن معي فأنت ضدي".

الآن، وبعد أن أخل الجميع بأهداف ثورة 2011، سعيا لتطويعها لتحمل نظريات خاصة، وأصبح استمكال الثورة ليس إلا فرصة لتصفية حسابات مع التاريخ، أجد نفسي في حل مما عاهدت نفسي عليه.

فما نحن علية لن يحقق الثورة، ولن يحقق الهدف، ولذا يحل علينا كل يوم فريق أو آخر بمبادرات استسلام، ومن وقف في صف الرفض لا يحرك الثورة، بل أغلبه يحرك رغبات الانتقام أو رؤيته الخاصة.

إن الشعب المصري ينتظر من يدافع عنه وعن مصالحه لا من يحارب طواحين الهواء، إن عمال مصر ينتظرون منا وقف بيع المصانع وليس لعن من أنشأها. إن الفلاح المصري ينتظر منا أن ندافع عن حقه في المياه لتخضير الأرض، ليس لعن من مَلَكها له وأخرجه من العبودية. إننا إذا نظرنا لأبعد من ذلك لوجدنا أن هؤلاء الصامدين أمام العدو الصهيوني ينتظرون منا أن نشد أزرهم، لا أن نلعن من سخّروا حياتهم للدفاع عنهم، أخطأوا أو أصابوا، فكلنا بشر.

إن الشعب المصري مستعد للثورة وأهل لها، ولكنه لن يتبع من يلعنون ثورة 2011 ولا لعان ثورة 1952، فلا تشتعل الثورة إلا بالإيمان بها، ولا يشعل الثورة إلا من يجمع شعبها، وليس من يلعن الثورات ويفرق شعبها.

أعلم أن كلماتي هذه سيسعد بها البعض عن موافقة أو رفض، وسيغضب منها البعض عن موافقة أو رفض، ولكني لست في مرحلة إسعاد الجماهير ولست في صراع على قيادتهم، لذا قررت أن أخرج عن صمتي وأقدم الأمور كما أراها.

ولذلك فقد قررت - وكلي أسف - أن أكتب هذه الكلمات، وأن أنسحب من كل التجمعات الدولية العاملة على الملف المصري، مؤكدا أن تلك الكلمات ليست رسالة يأس، بل رسالة دعوة للبناء السليم الذي يحقق حلم الثورة وليس الثأر من الثورات.

سأظل وفيا لثورتي مصر اللتين عبرتا عن إرادة الشعب المصري، كل في زمنها، في منتصف القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وسأظل على العهد لإنجازات الثورتين، ولذا لن أتخلى عن إنجازات وشرعية ثورة 2011 وشرعية استحقاقاتها، وعلى رأسها رئيس مصر الشرعي د. محمد مرسي، ولن أتوقف عن الدفاع عن تلك الاستحقاقات فهي ملك الشعب وحدة، ولن أهادن الانقلاب غير شرعي الذي جاء بالسيسي ليدمر مع عصابته ما تبقى من أمتنا.

فتحية إعزاز وتقدير لكل دم سال على أرض مصر من أجل حرية مصر وشعبها، وتحية إعزاز وتقدير لكل من قبع في السجون عبر كل العصور مدافعا عن حريته وحرية شعبنا، وتحية لكل أسرة شهيد، وكل أسرة أسير، تحية لكل من ثبت على الحق اختلفت أو اتفقت معه، وتحية لزعيم ثورة 52، وتحية لرئيس مصر الشرعي د. محمد مرسي، وحتما ستحيا مصر وتنتصر بنا أو بغيرنا.
0
التعليقات (0)