هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المتدفق إلى الأردن في الربع الأول من العام 2018 الى 54%، أي ما يعادل 235 مليون دولار؛ كما تراجع حجم الاحتياطي النقدي في الفترة ذاتها بنسبة 5.6%، ليقدر بـ11 مليار دولار، بعد أن فاق الـ12 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي 2017.
الحقائق الرقمية المتراجعة والمقلقة لا تتوقف عند رصد أداء الاقتصاد الأردني، لتشمل تراجع مؤشرات المستهلكين وأداء القطاعات بمختلف أنواعها كقطاع العقارات والإنشاءات والقطاعات الصناعية؛ بل إن رئيس غرفة تجارة عمّان العين في مجلس الأعيان (الغرفة الثانية من مجلس الأمة الأردني) عيسى مراد، خلال لقاء جمعه بمديرة مؤسسة الموصفات والمقاييس قال: "إن النشاط التجاري في المملكة تراجع خلال شهري أيار وحزيران بنسبة 40%، وأن الرقم ارتفع ليبلغ 50% خلال الشهر الحالي"؛ مؤشرات نجد لها انعكاسا في مؤشر البطالة الذي فاق الـ18 %، وتراجع حوالات المغتربين وارتفاع نسب التضخم 3.7 % في الفترة ذاتها.
الحقائق الرقمية والاقتصادية يقابلها إشاعات وانشغالات لا تغيبها الشائعات واللغط الإعلامي، الذي طغى على الساحة الإعلامية والسياسية في الأردن، ويتجنب مناقشة رفع أسعار الوقود والتراجع الاقتصادي والأزمات القانونية والاقتصادية والاجتماعية؛ هروب عبر عنه مؤخرا بسؤال غريب (أين الملك؟)، لدرجة أن صحف ومواقع شبه رسمية شاركت في هذه الحملة الإعلامية بشكل أو آخر، مناقشة بذلك شائعات لم يحدد إلى الآن مصدرها الحقيقي أو الغاية منها.
فإجازة الملك أمر متعارف عليه بين المراقبين والمهتمين في هذا التوقيت من كل عام؛ ولم يثر هذا اللغط من قبل؛ خصوصا أن الإجازة الملكية ارتبطت بمنتديات اقتصادية عقدت في أمريكا وشارك فيها الملك عبد الله الثاني، ونقلت أخبارها وسائل الإعلام المحلية؛ فما مصدر هذا اللغط وغايته هذه المرة؟
حملات ومعارك إعلامية مضادة، ترافقت مع إعلان وزير الطاقة الأردنية "هالة زواتي" رفع أسعار الوقود باستثناء الغاز بمقدار (قرش)، علما بان أسعار النفط عالميا في تراجع مستمر؛ ليبرر القرار بإغلاق مضيق باب المندب أمام شحنات النفط السعودي، أمر أعلن عنه من قبل في 25 تموز أي قبل أيام؛ ولم تبدأ تداعياته تظهر بعد على المملكة الأردنية لترفع أسعار الوقود والمشتقات النفطية.
الشائعات في الأردن لن تغيب الواقع الاقتصادي المتراجع كما لم توقف حالة التراجع الخدمي؛ في حين أن الإعلان عن مشاريع كبرى كإنشاء مصنع للسيارات برأس مال ضخم في مدينة "العقبة"، أعاد طرح الأسئلة عن مصير مصنع مماثل أعلن عنه العام الماضي في الفترة ذاتها في محافظة "مادبا" ولا يعلم مصيره؛ فالعقبة ستستضيف مستثمرين أمريكان، في حين أن مادبا أعلن عن استضافتها صينين وكوريين؛ فهل تحول الأردن إلى ساحة حرب تجارية بين العملاقين أمريكا والصين؛ حرب يتم قيادتها من الشركة المعلنة ذاتها في الحالتين عن إنشاء المصانع؟ سؤال مثير لم تناقشه وسائل الإعلام أو تبدي فيه اهتماما.
الشائعات السياسية ترافقت كما هو واضح مع مشاريع معلنة اقتصادية بعضها لا يعلم مصيرها وأخرى لا يعلم مستقبلها؛ في حين تعاني محافظة الزرقاء من المديونية ونقص التمويل ولا زالت مهددة بتوقف وتعطيل أعمالها، حالة تشبه إغلاق الحكومة لأعمالها في أمريكا لعدم إقرار الموازنة فيما عرف بـ (Government shutdowns).
ختاما، فإن الشائعات والضجيج الإعلامي في الأردن يزداد يوما بعد يوم صارفا الأنظار عن حقيقة التراجع الاقتصادي وبطء الإجراءات الحكومية والرسمية، وغياب خطة العمل الواضحة للتعاطي مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة؛ غير أن انشغال الرأي العام بالشائعات لن يطول وسرعان ما يتبدد عند تفقدهم لجيوبهم؛ فالحقيقة المؤكدة ممثلة بالتراجع الاقتصادي وغياب خطة العمل الواضحة لمواجهته في المرحلة المقبلة، يجعل من الشائعات والانشغال بها حرفا لمسار الاهتمام العام في الأردن، وسببا في تفاقم الشكوك وانعدام اليقين الاقتصادي.
•يعتذر الكاتب عن خطأ ورد في المقال السابق سهوا، ذكر فيه أن صدور قرار محكمة التمييز في قضية نقابة المهندسين الأردنيين؛ والصحيح قرار محكمة الاستئناف في عمّان؛ ويشكر الكاتب كل من نبه إلى هذا الخطأ وشارك في تصحيحه.