هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قام وفد من قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي عمودها الفقري، بزيارة إلى دمشق، لإجراء مباحثات مع مسؤولي النظام السوري، بهدف تسليم المناطق التي تسيطر عليها إلى النظام في مقابل بعض المكاسب والامتيازات التي يمكن أن يقدمها النظام إلى الطرف الآخر.
هذه الخطوة جاءت بعد أن شعرت وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني، بالخذلان وأدركت أن المظلة التي توفرها لها الولايات المتحدة وروسيا قد ترفع في أي لحظة، بسبب الضغوط التي تمارسها أنقرة، لتبقى مكشوفة أمام القوات التركية وفصائل الثورة السورية. وبعبارة أخرى، تبحث وحدات حماية الشعب الكردي عن ملاذ آمن يمكن أن تحتمي فيه، ولم يبق لها غير النظام السوري.
قادة حزب العمال الكردستاني وعناصره عاشوا في سوريا سنين طويلة في حماية النظام. وكان زعيم المنظمة الإرهابية، عبد الله أوجلان، ضيفا عزيزا لدى حافظ الأسد، إلى أن هددت تركيا النظام السوري في خريف 1998 بإعلان الحرب إن لم يطرد أوجلان من الأراضي السورية. وحصلت المنظمة الإرهابية على أولى مكاسبها بعد اندلاع الثورة في سوريا من خلال تعاونها وتنسيقها مع نظام الأسد على قمع المظاهرات في المناطق الشمالية ذات الغالبية الكردية. وها هي اليوم تبحث عن طريق للعودة إلى أحضان النظام السوري التي خرجت منها لفترة وجيزة.
المؤشرات تشير إلى أن المباحثات تجري بين وحدات حماية الشعب الكردي والنظام السوري بعلم الولايات المتحدة. بل هناك تقارير تقول إن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، بريت ماكغورك، التقى قادة المنظمة الإرهابية قبل زيارة الوفد لدمشق، وحثَّهم على الحوار والتفاوض مع النظام.
عودة وحدات حماية الشعب الكردي إلى أحضان النظام السوري تعني أن الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة بمئات الشاحنات إلى المنظمة الإرهابية بحجة التحالف معها ضد تنظيم داعش، سيتم تسخيرها لخدمة النظام السوري، ليدرك السوريون بعد فوات الأوان أن أمريكا لعبت لعبة قذرة بهدف إجهاض الثورة وإعادة تأهيل النظام.
المنظمة الإرهابية رفعت في شمال سوريا أعلام روسيا وأمريكا، ظنا منها أنها قد تحميها، ولكنها رأت أن تلك الأعلام غير قادرة على حمايتها من الجيش التركي وفصائل الثورة السورية. وها هي الآن تستعد لرفع علم النظام السوري في المناطق التي تحتلها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيحقق هذا العلم حلمها، ويحميها من المساءلة والمعاقبة على الجرائم التي ارتكبتها؟
لا يخفى على أي مراقب أن الساحة السورية فيها لاعبون كبار، مثل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران. وستحدد مصير المنظمة الإرهابية في سوريا المفاوضات التي ستجري بين هؤلاء. ولا يملك النظام السوري القدرة على التحرك وحده أو حتى بمساندة قوات سوريا الديمقراطية، دون أن يحصل على الضوء الأخضر من موسكو وطهران.
وحدات حماية الشعب الكردي، من خلال عودتها إلى أحضان نظام الأسد، تأمل أن تنجو من ملاحقة القوات التركية أولا، وتهدف ثانيا إلى المشاركة في العمليات العسكرية التي يمكن أن يشنها النظام ضد فصائل الثورة السورية في إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون، لتعود إلى عفرين وغيرها على دبابات النظام. ولكن ذلك حلم بعيد المنال، في ظل الإرادة القوية التي تبديها تركيا في تطهير حدودها من الإرهابيين.
المنظمة الإرهابية أعلنت استعدادها للمشاركة في الهجوم على إدلب إلى جانب قوات النظام. إلا أن تركيا لا يمكن أن تسمح للنظام ولا لوحدات حماية الشعب الكردي بالهجوم على إدلب، لأنه يعني موجة جديدة من اللاجئين، وهروب مئات الآلاف من المدنيين نحو الأراضي التركية، وعودة المنظمة الإرهابية إلى الحدود لتهدد أمن تركيا واستقرارها. وهذا أمر لا تقبله أنقرة بأي حال.
تركيا تقوم بمشاريع عديدة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون لاستتباب الأمن والأمان وإنشاء طرق مزدوجة لتنشيط الحركة التجارية وتحقيق الازدهار الاقتصادي، بالإضافة إلى الخدمات التعليمية والصحية. ومن المؤكد أن كل تلك المشاريع لا يتم إنجازها لتُقَدَّم إلى النظام أو وحدات حماية الشعب الكردي على طبق من ذهب.
* كاتب تركي