مقالات مختارة

الإجراءات الحمائية والتجارة الدولية

حسن العالي
1300x600
1300x600

رصدت منظمة التجارة العالمية في تقريرها الذي يغطي الفترة من نوفمبر 2017 ولغاية مايو 2018 تزايد الإجراءات الحمائية التي اتخذتها دول مجموعة العشرين وبلغ عددها 75 إجراء بما في ذلك زيادة التعريفات الجمركية والقيود الكمية وفرض ضرائب على الواردات والتشريعات الجمركية المقيدة، وهو يفوق بكثير عدد الإجراءات التي رصدها التقرير السابق.


وقد وجدت هذه الإجراءات صدا قويا في قمة بريكس التي عقدت في جوهانسبيرغ الأسبوع الماضي، وأكد الرئيس الصيني في افتتاح القمة إن تزايد الإجراءات الحمائية يوجه ضربة قوية للتعددية والنظام التجاري المتعدد الأطراف مضيفا أنه لن يكون هناك فائزون في الحرب التجارية. كذلك لدى وزراء مالية قمة العشرين التي اختتمت أعمالها في بوينس أيرس الأسبوع الماضي. وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في الاجتماع أن الحرب التجارية يمكن أن تكلف إجمالي الناتج الداخلي العالمي مئات المليارات من الدولارات. كما حذرت إدارة الرئيس دونالد ترامب من أن الاقتصاد الأميركي يمكن أن يتضرر لأن جزءاً كبيراً من تجارته سيخضع لإجراءات انتقامية.


وقد دفعت هذه التطورات بمنظمة التجارة العالمية إلى إطلاق تحذيرات بمراجعة نسب نمو التجارة العالمية التي أطلقتها في أبريل الماضي، حيث كانت قد توقعت نمو التجارة العالمية بنسبة 4.8% عام 2018 بالمقارنة مع 4.7% عام 2017 و 4% عام 2019، لكن في حال استمرار الإجراءات الحمائية والحرب التجارية الراهنة فأن نسبة النمو قد تنخفض إلى 3.1% عام 2018.


وتشير توقعات المنظمة إلى أن تصاعد موجة الحمائية الاقتصادية قد ينجم عنه خسائر للاقتصاد والتجارة الدولية تتراوح بين 5 ـ 8 تريليونات دولار في الأجل القصير كما سوف يؤدي إلى زيادة مناخ عدم اليقين السائد حاليا في الاقتصاد الدولي، وإضعاف حالة الاستقرار الهش السائدة في المنظومة الاقتصادية العالمية، وتصاعد حدة المخاطر التي يمكن أن تواجه حركة رؤوس الأموال، بما يدفعها إلى الانكماش أو أن تصب نشاطها على المضاربات المالية قصيرة الأمد سريعة العائد، ما يوجد دوامات مالية خاصة في سوق العملات، تؤدي بدورها إلى حرب عملات لن تقف حدودها عند هذا المجال، بل ستمتد حتما إلى حرب تجارية ذات طابع دولي.


وبالنسبة للمدافعين عن العولمة فإن السياسات الحمائية ستمثل تراجعا دوليا لعقود من النضال من أجل تعزيز التجارة الحرة على المستوى العالمي، وستؤدي في نهاية المطاف إلى خفض معدلات نمو الاقتصاد على المستوى الكوني، وما سيتبع ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة والتضخم. وهذا الوضع المتردي، سيوجد بالتبعية حالة من الاستقطاب العالمي، ويعمق الفجوة الراهنة بين البلدان كثيفة رأس المال والبلدان كثيفة العمالة.


كما أن انتشار موجة الحمائية واستماتة الدول في الحفاظ على أنصبتها من التجارة الدولية يعني فتح الأبواب أمام حرب عملات واسعة النطاق، وهو ما بدأ ترامب يشير إليه بتوجيه انتقادات لرفع سعر الفائدة الأمريكية مما يرفع سعر الدولار ويضعف بالتالي القدرات التصديرية الأمريكية. إن اشتعال حرب العملات سوف ينجم عنها أضرار للنظام المصرفي العالمي الذي لم يتعاف بعد من الأزمة المالية لعام 2008. كما تتجسد مخاطر هذه الموجة في خلق آثارا مخيفة على الدولار كعملة رئيسة للتجارة الدولية، فالمرجح أن يسفر هذا الصراع عن ظهور تحالفات اقتصادية دولية تعمل على تعزيز سلة مشتركة من العملات، تقتص جزءا من نصيب الدولار في التجارة الدولية، لتفادي الخسائر الناجمة من الاعتماد على العملة الأمريكية في تقييم عديد من السلع خاصة الإستراتيجية منها.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)