هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في هذه الأسابيع وتقريبا تحت جنح الظلام يتم التفاوض بين الحكومة التونسية والاتحاد الأوروبي حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق "الأليكا" ALECA التي ستعمق "التجارة الحرة" بين تونس ودول الاتحاد.
لكن كما هي معظم الاتفاقيات التي وقعتها تونس منذ العهد الحفصي (خاصة منذ القرن الرابع عشر ميلادي) حتى الآن مع المدن الدول الأوروبية هي اتفاقية تسمح بحرية توغل طرف دون آخر ولمصلحة طرف دون آخر.
قليلة الدراسات التي تستطلع آراء الفلاحين التونسيين من اتفاقية تهم مصيرهم الاقتصادي. أحد الاستطلاعات النادرة التي نقل نتائجه موقع "أفريكان ماناجير" (مقال منشور في 28 ماي) يقدم النتائج التالية:
بدءا إن 90% من الفلاحين التونسيين لا يعرفون شيئا عن اتفاقية الأليكا رغم أن أحد أهم عناصرها هي الفلاحة. ويعتقد حوالي 82% من المزارعين التونسيين أن الاتفاقية ستكون مفيدة للمزارعين الكبار. بالنسبة لـ 34% من الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات، فإن ALECA لن تكون مفيدة لصغار المزارعين و 31% يعتقدون أنها ليست مفيدة للمستهلك التونسي.
وأظهر المسح الذي أجري في الفترة من 16 إلى 30 مارس 2018 أن 78% من المزارعين غير راضين عن السياسة الزراعية وأن 81% منهم يبيعون منتجاتهم دون أي معالجة. ووفقاً للدراسة الاستقصائية التي أجراها الرجال والنساء المشتغلات بالزراعة فإن 68 في المائة من المزارعين يعتقدون أنهم بحاجة إلى دعم مالي و3% من المساعدات العينية و 21.3% من مياه الري.
بالإضافة إلى الاستطلاعات، لدينا مواقف المدافعين عن الأليكا ومنتقديها. بالنسبة للمؤيدين ووفق دراسة بعنوان "أليكا، فرصة لتحديث الزراعة في تونس"، يمر القطاع بعدة قيود، الأولى وأقلها أزمة اقتصادية واجتماعية تقيد المناورة الحكومية.
وتشير الدراسة التي أجراها غازي بن أحمد وهو مدافع شرس عن اتفاقية "الأليكا"، ومدير جمعية تنمية مبادرة البحر الأبيض المتوسط التي يتعاون معها الاتحاد الأوروبي للترويج لفوائد الاليكا، إلى أن من بين القيود زيادة الضغط على الموارد الطبيعية ومحدودية الوصول إلى التمويل المصرفي. يستفيد 7% فقط من المزارعين من القروض المصرفية ويتم تمويل 70% من "الأموال الخاصة"، وهو ما يعني ضمناً حجمًا كبيرًا من أرصدة الموردين.
أما بالنسبة للجوانب الاجتماعية للسياسة الزراعية، فيشير تقرير صادر عن البنك الدولي (WB) في عام 2006 إلى أن أولئك الذين يعتمدون على الزراعة غالبا ما يكونون الأكثر فقرا وضعفا شرائح شركة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أهداف السياسة الزراعية في تونس كانت منذ الاستقلال ذي بعد اجتماعي، في هذه الحالة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأمن الغذائي، مما أدى إلى ان "أسعار الإنتاج" منفصلة عن التكلفة الحقيقية للإنتاج بما يضر مصالح المزارعين.
تشير الدراسة إلى تأملات مجموعة العمل المكونة من خبراء من الوكالة الفرنسية للتنمية ووزارة الزراعة، إلى نمو قوي في الواردات، خاصة بالنسبة للبعض من أجل تحقيق الأمن الغذائي، فإن هناك عجزا في القدرة التنافسية للإمدادات الزراعية الوطنية بالمقارنة مع المواد الغذائية المستوردة والتحكم الصعب في أسواق التصدير، بما في ذلك تقلب الأسعار. والركود في بعض الحالات يعرض للخطر استراتيجيات المنتجين لتقييم أفضل للمنتجات المصدرة.
بالنسبة للمنتقدين الأمور في ضفة أخرى تماما. وتعتبر الزراعة قطاعا هاما من الاقتصاد التونسي بما يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي (ضد 1.5% في الاتحاد الأوروبي)، 14.2% من إجمالي العمالة و45% في المناطق الريفية. ويشير تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن تحرير الفلاحة قد يمكن من تعزيز الصادرات المتعلقة بعدد من المنتوجات التونسية، خاصة منها التمور وزيت الزيتون. كذلك، قد يحث ذلك الاتحاد الأوروبي على انتداب عملة جدد لإنتاج المزيد من الخضر والغلال والزيوت النباتية إلا أن مواطن الشغل الجديدة مؤقتة وموجهة لغير المؤهلين. عدى عن ذلك، بعض المنتوجات الفلاحية التونسية لا تكفي لاستيفاء نسب التصدير المطلوبة، نذكر من ذلك خاصة إنتاج البرتقال والقوارص، وهو ما يشير إلى أن مزيد الانفتاح لن يعود بنفع في الحقيقة.
انفتاح السوق التونسية قد يتسبب في ضعف شديد في القطاع الفلاحي خاصة أمام الصادرات الأوروبية، الأكثر إنتاجية والمدعمة من طرف السياسة الفلاحية المشتركة (PAC). مثالا على ذلك، تعد إسبانيا المصدر الأول للقوارص في العالم، وبتوقيع الاتفاقية ستتمكن هذه الأخيرة من تسويق بضاعتها بحرية في تونس. كذلك، ستعاني بعض القطاعات الحيوية كالحبوب وتربية المواشي من خسائر كبيرة في المنتوجية وفي اليد العاملة.
بتوقيع هذه الاتفاقية حسب تقرير المنتدى ستتبنى تونس توجّه كبار الشركات الأوروبية المشجع على التصدير الفلاحي مما سيجعلها تتكبد خسائر كبيرة على مستوى اليد العاملة المؤهلة كما سيجعلها أكثر اعتمادا على الأسواق الخارجية لتغطية حاجياتها من المواد الغذائية الأساسية.
الاتفاقية ستمس أيضا قطاع الخدمات وتعتبر قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والخدمات المالية والنقل الأكثر حيوية في قطاع الخدمات (الذي يوفر 60% من الناتج الداخلي الخام و50% من جملة مواطن الشغل) كما تعد الأكثر تمتعا بالحماية. رغم ذلك ستكون هذه القطاعات الأكثر تأثرا بالمنافسة الأوروبية حيث أكدت دراسة المفوضية الأوروبية التي تم نشرها في ماي 2013 بأن قطاع الخدمات في تونس سيشهد تراجعا في نسب الصادرات وارتفاعا في نسب الواردات إثر توقيع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق.
تحرير قطاع الخدمات سيعتمد على نظام القوائم السلبية: أي أن أبواب المنافسة ستُفتح أمام شركات الخدمات الأجنبية في ما يخص كل الخدمات ما عدى بعض القطاعات والاجراءات التي يتم ذكرها في الملحق على عكس القوائم الايجابية التي تحد من تحرير الخدمات بذكر وتحديد المجالات التي يشملها الاتفاق. بذلك، سيواجه قطاع الخدمات، بما في ذلك الخدمات العمومية منافسة شرسة من طرف المؤسسات الأجنبية.
إضافة إلى ذلك، العلاقة التنافسية بين الطرفين غير متوازنة إذا ما درسنا الموضوع من زاوية حرية التنقل، إذ إن مقدمي الخدمات التونسيين لا يمكن أن يصدروا خدماتهم دون الحصول على تأشيرة دخول وترخيص للعمل بالسوق الاوروبية في حين يتمتع المنافسون الأوروبيون بحرية مطلقة لدخول ومغادرة التراب التونسي دون الحاجة لتأشيرة. لهذا السبب ومنذ بداية المفاوضات، طلبت تونس توقيع اتفاقية تخص حرية التنقل للعمال في علاقة باتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق.