هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدت إسرائيل في الأيام الأخيرة كمن يريد الفرار، وتحديدا بعد انكشاف عورة سياسة حكومتها المستحيلة تجاه غزة، والقائمة على هدفين وتكتيكين متناقضين تماما. أما الهدفان فهما إضعاف حماس و منع انفجار غزة بالتخفيف الإنساني عنها؛ وأما التكتيكان فهما استمرار القصف و الاعتداء من جهة و عدم الوصول إلى تصعيد واسع من جهة أخرى.. و على الأقل إعلاميا من الجنوب إلى الشمال حيث برزت و ركزت تصريحات و مواقف القادة و من خلفهم من الإعلام المجند على مشكلة الشمال الأكبر و الأخطر، حيث "البعبع" الإيراني و أخيرا الخوف المفتعل من اندفاع اللاجئين من جنوب سوريا بسبب القصف الروسي و الاسدي باتجاه الحدود .
قد يكون أحد أهم دوافع هذا الهروب هو تبرير ضعف و قلة حيلة الجيش في الرد على وسائل المقاومة الشعبية التي أبدعها الشعب الفلسطيني على حدود غزة و على رأسها الطائرات الورقية الحارقة و المندفعة "بتبختر" ــ دون خشية من طائرات الـF35 و لا من أحدث ما توصلت إليه العقلية الأمريكية الاستعمارية من منظومات للدفاع الجوي – من سماء غزة إلى حقول و أملاك المستوطنين في غلاف غزة، و ذلك في ظل تزايد احتجاجات سكان المستوطنات على استمرار حالة الاستنزاف التي يمقتها الإسرائيليون (على مر العصور)، تماما ككراهيتهم لظهور ضعف و قلة حيلة جيشهم (المغوار) أمام عدو حفرت الدعاية الاحتلالية صورته كبائس ضعيف، و ذلك من خلال إقناع و تضليل سكان المستوطنات بأن ضعف الرد و الفشل في وقف "مقاومة غزة" لا ينبع من شلل الحكومة عن اتخاذ قرارات و دفع أثمان ضرورية و حتمية لغزة أو من عدم استعداد الجيش أصلا للحرب لأسباب سياسية و استراتيجية مهنية، بل لأنه منشغل بتهديد أكبر و أعظم في الشمال من التهديد "البسيط" في غزة .
تتجنب حكومة اليمين في إسرائيل أن تصارح شعبها بأن سياساتها –إن كان لها سياسة أصلا– تجاه غزة فاشلة، و بأنه لا بد من التخلي عن شعارات و مناهج و أساليب و مواقف سابقة ثبت بشكل واضح عجزها عن وقف أو إخضاع مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة. و من أهمها إنكار حقيقة أن مسألة غزة هي جزء لا يتجزأ من مسألة تحرر وطني يخوضه شعب يصر على نيل حريته و استقلاله، و ليست مسألة مجموعة من البشر تبحث عن الطعام و الشراب و الدواء، فصراحة الحكومة تعني تهافت و انهيار أفكار و مواقف اليمين المتطرف المسيطر على الحكومة تماما كما تساقطت أفكار و أطروحات التيار المركزي للصهيونية الاحتفالية .
قد تنجح إسرائيل بالهروب -جزئيا و نسبيا– من غزة القوية رغم ضعفها إلى الشمال الضعيف رغم قوته، و ذلك في ما يبدو كتناقض واقعي و مثير للاهتمام لميزان القوى، فساحة الشمال على خطورتها من حيث قدرات اللاعبين السياسية و العسكرية العالية هي أسهل لإسرائيل من ساحة الجنوب على ضعفها العسكري و هشاشتها .
فطبيعة العدو في الشمال تسمح (لإسرائيل) بالعمل و النشاط بحرية أكبر و بالتالي التأثير بصورة أكثر فاعلية، فهي تستطيع كمثال تحقيق إمكانياتها الكامنة و تشغيل و استعراض قوتها الأمريكية العالية من طائرات F35، ومرورا باستخباراتها العربية المتحالفة معها، و انتهاء بصواريخها الموجهة برا و بحرا .
كما أن تحالف الأسد-إيران-حزب الله هو عدو يسهل التحشيد و التحريض ضده عربيا و إقليميا و دوليا، إضافة لتمتع إسرائيل بوجود عامل ضاغط للتصعيد و ضامن لأي تفاهمات و ترتيبات، وهو التواجد أو العامل الروسي، وهكذا ترى إسرائيل نفسها رابحة في كل الأحوال، فلماذا لا ترغب في ساحة الشمال؟
لن تستطيع إسرائيل -وإن رغبت في ذلك وحاولت- الهروب من نتائج سياساتها الاحتلالية المتناقضة في غزة، فستبقى المقاومة بكل أشكالها و على رأسها الطائرات الورقية الحارقة تقض مضاجع الحكومة والجيش و الشعب معا حتى تدفع ثمنا ما، تحاول تجنبه (وهو ثمن غير كاف) بطبيعة الحال، و قد يكون ذلك على شكل سقوط الحكومة مع كل سياساتها الغريبة، حتى في مفاهيم الاحتلال و معها كل شعاراتها و أفكارها، أو كسر وتآكل الحصار عن غزة بشكل مباشر أو غير مباشر، و بهذا قد تكون المنطقة على وشك تحقيق إنجاز ما بمقاومة شعبية على محتل غاشم، وذلك بتوقيع الفلسطيني في غزة.