مقالات مختارة

تطهير المجتمعات أيضا

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600

أمام الخطاب الإسلامي -على اختلاف مستوياته- فرصة تاريخية للتحول والتجدد للانتقال من دائرة الجمود "والطاعة" والتمترس وراء الحرفية والشكلانية إلى دوائر أوسع من "المقاصد" والاعتبارات الكلية والقضايا العامة التي تشكل جوهر الدين، وتعبر عن وظيفته العليا وأهدافه الشاملة.


لا شك بان خطابنا الإسلامي - الفقهي والدعوي- قد عانى في العقود الماضية من تناقضات وثنائيات قاتلة، ولا شك بان دوائر "التدين" غير الصحيح قد اتسعت في مجالنا العام والفردي على حد سواء، بحيث اصبح "التدين" معزولا عن حياة الناس وقضاياهم ومقتصرا على "أداء" عبادي شكلي لا يعبر حقيقة عن روح "الإسلام" ولا عن قيمه ومبادئه التي تسعى إلى "تكريم" الإنسان من خلال عمارة الدنيا من أجل عمارة الآخرة، لا الخطاب وتنعكس بالتالي على تدين الناس وفهمهم لدينهم وعصرهم معا، ومن ابرزها انتقال الدين حضورا وتأثيرا من دائرة الفرد إلى المجتمع، أو من المجال الفردي إلى المجال العمومي بحيث أصبح "التدين" المجتمعي باعثا على الحركة والعمل بعد أن كان محصورا في الأفراد وعلاقاتهم مع الله تعالى، والتقليد إلى اطار "الإبداع" والمبادرة فلأول مرة في عصرنا الحديث نسمع عن فتاوى تحرض على "التغيير" وأخرى تدعو إلى أولوية الحرية والكرامة، بمعنى أن القضايا الكبرى التي كانت في دائرة المسكوت عنه فقهيا أصبحت "موضوعا" للفتوى والحديث والدعوة، ويمكننا أن نتابع "فتاوى" ما بعد مرحلة الاحتجاجات في العالم العربي على امتداد السنوات الماضية  لنفهم ذلك، وهذا ينطبق أيضا على "أصول الدعوة" وفقهها وأصحابها، هؤلاء الذين اصبحوا فاعلين في مجال "التنوير" الاحتجاجي بعد أن كان معظمهم "لاعبين" في مجال "التزيين" السياسي.


ثمة تحولات متواضعة ولكنها مشجعة أصابت خطابنا الإسلامي والفضل فيها لحركة الناس واحتجاجاتهم لكنها ستبقى ناقصة ما لم ينهض الفقهاء والدعاة إلى استثمار هذه المناخات الجديدة في عالمنا العربي للتحرك نحو فقه جديد ينقل تديننا من حالة "الطاعة" إلى "الاحتجاج" ومن السكون إلى الحركة ومن التقليد إلى الإبداع ومن ممالأة السياسة إلى الاشتباك معها، ومن التحالف مع السياسي إلى التعامل الندي معه، فقه جديد يضع "الإنسان" العالم والمكرَّم في المقام الأول وينتصر لقضايا الناس وأولوياتهم ويتصالح مع العصر ومستجداته وينهي حالة "الانقسام" والشرذمة التي أصابت العمل الإسلامي في مقتل ويمهد لمرحلة جديدة من المساكنة والعمران بين المسلمين بعضهم وبينهم وبين الآخرين في العالم.


هذه بالطبع، إحدى فضائل حركة الشعوب في علاقتها مع الدين، وهي فضيلة يمكن أن تساهم في تحرر "ديننا" وخطابنا الإسلامي العام من كثير مما اعتراه من ارتباك وتراجع، ويمكن أن تدفع فقهاءنا ودعاتنا إلى التصالح مع مطالب الناس وقضاياهم وان تقنعهم بان "وظيفة" الدين لا تقتصر على تطهير الأفراد من الذنوب وإنما تطهير المجتمعات منها أيضا ولا تختزل في "فقه" العبادات والطقوس وعلاقة الإنسان بخالقه، وإنما فقه "المعاملات" وفقه الواقع والأمة وعلاقة الإنسان مع أخيه الإنسان أيضا.

الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)