هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما هي وظيفة الدين: الهداية أم الدعاية..؟
الإجابة
بالطبع معروفة، فالدين جاء أساسا لهداية الناس إلى الله، لكن بعض الذين يشتغلون "بالدين"
على سبيل الحرفة والتجارة أو الشهرة والهواية أرادوا أن يجروا الدين إلى ساحات أخرى
لا علاقة له بها على الإطلاق، وآخرها ساحة الإعلانات التجارية.
لا
أريد أن اعلق على موضوع استخدام الدين في الدعايات الرخيصة، لكنني أشير إلى
مسألتين، الأولى انه لا يوجد فاعل يتحرك في مشهدنا العام مثل "الدين"،
لدرجة أن احدنا اصبح يخشى أن يتحول هذا الدين إلى مشجب نعلق عليه كل شيء، ونستخدمه
في كل شيء، ونتهمه أحيانا، ونحتفي به أحيانا أخرى دون أن نعرف متى ولماذا؟
أما المسألة الثانية فهي انه من المفارقات المدهشة أن "سوق"
الدين "في هذه المرحلة الصعبة التي انفجر فيها عالمنا وتاريخنا ازدحم، حد
الفوضى، بالبائعين والمشترين، وبالتالي فان ما نراه أمامنا ليس اكثر من عروض "دينية"
تخضع لحركة السوق ومواسم التنزيلات والمزايدات والاحتكارات فيه.
لدى الكثيرين منا ما يكفي من أمثلة لتأكيد حضور ظاهرة الداعية
المغشوش أو السياسي الانتهازي المتخفي باسم الدين، ورغم قلة هؤلاء بالمقارنة مع الأغلبية
الصادقة والمخلصة، إلا أن اثرهم في تنفير الناس من الدين أشد، وقدرتهم على الإساءة
للفكرة والمشروع اقوى وأسرع، لا لأن الخصوم يستغلون ذلك ويوظفونه في تجاه التشكيك
بالنوايا والممارسات، وإنما لأن الجمهور أيضا يندفع للرد على استغفالهم له،
واستهانتهم بعقله وتدينه وثقته بهم، فيضطر بسبب تسرعه بالرد وانفعاله في التعبير
عن الخيبة إلى الوقوع في المحذور، كأن يخلط بين الدين وبين دعاته والمحسوبين عليه،
فيحمّل الدين أخطاء هؤلاء.. أو يهرب من المشروع بحثا عن مشروع آخر يتوسم في أصحابه
الصدق والقدوة.
في القرآن الكريم وردت كلمة المقت، وهي أشدّ أنواع الكراهية لوصف حال
الذين يقولون ما لا يفعلون، فالله تعالى لا يحب هؤلاء ولا يزكيهم، وهو يستنكر
عليهم فعلتهم، أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا
تعقلون، ومن المفارقات هنا أن الذين يمقتهم الله كما ورد في الآية الكريمة ثلاثة أصناف:
أولها الكفر وثانيها الذين يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر وثالثها الذين يجادلون
على غير حق.
قضيتنا
الأساسية هي مع هؤلاء الشطار الذين يفسدون علينا في ديننا وأخلاقنا، ويفتحون أمام
الآخرين نوافذ التشكيك في سلامة مشروعنا ويخدعون أجيالنا بالكلام الجميل ثم
يدفعونهم حين تنكشف أفعالهم إلى الخيبة والإحباط والنكوص عن الصراط، ولا عذر لأحد
منا في الصمت عليهم أو البحث عن ذرائع لمسامحتهم أو الوقوف على الحياد منهم.
أرجو
ألّا يسألني القارئ الكريم عن بعض أسماء هؤلاء، فهو مثلي يعرفهم، ولا عن مناسبة
هذا الكلام فهو أيضا -مثلي- يتردد كثيرا في التعرض للدعاة الذين يحملون مشروع الإسلام
خشية أن يحسب على قائمة الخصوم المتربصين، لكن ذلك لا يمنعنا أبدا من القيام بواجب
التنبيه والتحذير، فلا شيء أهم عندنا من الإسلام ولا أحد منزه من النقد، ولا مخرج
لنا من هذه المحنة سوى الاعتراف بها، وتحرير حقلنا الديني من الداخلين عليه وبعض
الواقفين على أبواب بيادره لسرقة المحصول أو ممارسة الغش في المكاييل والموازين.
الدستور الأردنية