هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أفهم سر تلك الثورة التي حفلت بها التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، حول الحفل الذي أقامته سفارة إسرائيل في أحد فنادق القاهرة، وإن كنت مع أسبابها قلباً وقالباً، وأعتبر الحفل حادثاً كارثياً بكل المقاييس، حيث إنه يتم للمرة الأولى بشكل علني، واختارت سفارة الكيان الصهيوني له أحد أهم فنادق القاهرة، يطل على النيل، ويقع في قلب ميدان الحرية والثورة، ميدان التحرير.
في السابق كان مثل هذا الأمر يجري في سرية تامة، وفي مقر إقامة السفير أو مقر السفارة، كما أن المناسبة مأساوية وحزينة على قلب كل مواطن عربي شريف، فهي تتوافق مع ذكرى النكبة بالمفهوم العربي، وضياع جزء كبير من فلسطين التاريخية لصالح قيام الكيان الصهيوني. كما أن الحفل حضره المئات من المصريين، ممن لهم تعامل اقتصادي أو إعلامي أو سياسي مع إسرائيل، وكان من قبل يقتصر على أعداد محدودة.
ثم إن الاحتفال بهذه الصورة تم تحت بصر وبتشجيع، أو على الأقل موافقة الأجهزة المعنية في مصر، مما يؤشر أن هناك جديداً طرأ على مسيرة تطبيع العلاقات بين الجانبين المصري والإسرائيلي، ليس وليد اللحظة، ولكن سبقته خطوات غاية في الأهمية.
ويكفي أن نتوقف عند كل كلمة قالها السفير الإسرائيلي لدى القاهرة دافيد جوبرين، في الاحتفال، وحديثه عن الشراكة المتينة بين مصر وإسرائيل، التي وصفها بأنها تشكل قدوة ومثالاً لحل صراعات إقليمية ودولية في العالم أجمع حتى يومنا هذا. وأضاف: «نلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل، التي انتهى عصر التعامل معها على أنها عدو ».
الرجل صادق في كل كلمة للأسف، فالأمر في السنوات الأخيرة لم يعد قاصراً على مجال معين، يتم من خلاله ممارسه التطبيع، وهو العلاقات الدبلوماسية، التي تطورت بصورة ملحوظة، وصلت إلى الدرجة التي قامت فيها إسرائيل واللوبي الصهيوني في أميركا بالضغط على الإدارة والكونجرس الأمريكيين، لاستئناف المساعدات العسكرية إلى مصر، بعد أحداث 30 يونيو 2013، وما أعلنه وفد اليهود الأميركان، من أن الرئيس المصري أثنى على نتنياهو، وقال إنه قائد لديه قدرات جبارة تؤهله لتطوير المنطقة والعالم».
هذا التصريح لم يتم نفيه من طرف أي من المسؤولين المصريين، وكذلك اللقاء العلني النادر في نيويورك في سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك، والذي استمر ساعة ونصف، بين الرئيس المصري ونتنياهو، ويومها قالت مصر الرسمية إن المحادثات ركزت على «استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل». وتباحث الزعيمان حول «سبل استئناف عملية السلام، وإقامة دولة فلسطينية»، كما تم التطرق إلى مواضيع كثيرة غير عملية السلام العالقة.
لقد دخل التطبيع مرحلة جديدة على الصعيد الاقتصادي منذ أشهر قليلة، عندما تم الإعلان عن توقيع اتفاقات بين شركات مصرية وإسرائيلية، لتصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، على مدى عشر سنوات.
و ينص الاتفاق على توريد كمية إجمالية قدرها 64 مليار متر مكعب من الغاز على مدى عشر سنوات. يومها قال السيسي إن الحكومة المصرية ليست طرفاً في الاتفاق، مضيفاً: «نتيح للشركات أن تستورد الغاز وتشتغل عليه، ونحن كدولة تبقى التسهيلات التي عندنا والمنشآت التي عندنا نأخذ في مقابلها»، واعتبر أن بلاده أحرزت هدفاً كبيراً، دون أن يحدد في أي مرمى.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم توقيع الاتفاق بأنه «يوم عيد»، مضيفاً أنه سيعزز الاقتصاد الإسرائيلي، ويقوي العلاقات الإقليمية، وقال نتنياهو: «إنني أبارك هذا الاتفاق التاريخي بشأن استيراد مصر للغاز الإسرائيلي، الذي تم الإعلان عنه. من المهم أن ندرك أن هذا الاتفاق سيجلب لإسرائيل المليارات للاستفادة منها في مجال التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي للمواطنين في إسرائيل».
وتجاوز الأمر التعاون في مجال تصدير الغاز، الذي انعكست فيه الآية من مصر «المصدرة» إلى تل أبيب، كما كان عليه في الماضي القريب إلى «المستوردة» من الكيان الصهيوني، بل سعت إسرائيل إلى التعاون مع مصر في تنفيذ مشاريع حيوية لدعم الاقتصاد المصري في مشاريع، من بينها: مشاريع تحلية المياه، والطاقة الشمسية، ومشاريع البنى التحتية، وتعزيز السياحة بسيناء، ومشاريع زراعية.
صحيفة العرب القطرية