هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة
"الموندو" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن تخلي الولايات المتحدة
الأمريكية، في عهد ترامب، عن دورها كقوة عالمية أولى. نتيجة لذلك، تحولت هذه
الدولة من الركيزة الأساسية للنظام العالمي إلى "دولة منسحبة".
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن واشنطن انسحبت، منذ اعتلاء ترامب سدة
الحكم، من خمس اتفاقيات ومعاهدات دولية. وفي مرحلة أولى، انسحبت الولايات المتحدة
من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ في مطلع سنة 2017، لتغادر فيما بعد اتفاقية
باريس للمناخ، خلال حزيران/ يونيو الماضي.
وأضافت الصحيفة أن
الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت، في وقت لاحق، عن انسحابها من منظمة
اليونسكو، وذلك قبل يوم واحد فقط من الانسحاب من الميثاق العالمي للهجرة. ومؤخرا،
لم تتردد الولايات المتحدة في الانسحاب من الاتفاق النووي التاريخي المبرم مع
إيران. ويبدو أن مسلسل انسحابات واشنطن من الاتفاقيات الدولية ما زال متواصلا، إذ إنها أعلنت عن نيتها في الانسحاب من الاتفاق الدولي للبن.
وأوردت الصحيفة أن تحول
الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة منسحبة يعد دليلا على القطع مع السياسة
الخارجية التي لطالما انتهجتها واشنطن على مدار سبعة عقود. لكن، وعند تقييم
الأحداث من وجهة نظر تاريخية وثقافية، سيتضح أن لعب "دور المنسحب" ليس
بالأمر الجديد على السياسة الخارجية الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أنه على
الرغم من أن الولايات المتحدة احتلت مركز النظام السياسي والاقتصادي العالمي على
مدار سبعة عقود، إلا أنها دائما ما تعدّ نفسها بمثابة جزيرة معزولة. أما في الوقت
الراهن، وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة تتمتع بقوة عسكرية لا تقهر، إلى جانب
يقينها بأن العولمة لا تفيد إلا النخب، عادت القوة العالمية الأولى إلى أصل توجهها
العالمي، الذي يقضي بإدارة ظهرها لبقية الدول.
وأوضحت الصحيفة أن
الولايات المتحدة سبق لها أن لعبت "دور المنسحب" في العديد من
المناسبات. فقد رفض الكونغرس الأمريكي المصادقة على اتفاقية باريس في سنة 1919،
رغم أنها كانت ثمرة مبادرة الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، لتشكيل النظام العالمي
خلال فترة ما بعد الحرب. من هذا المنطلق، بات من الواضح أن انسحاب الولايات
المتحدة من معاهدات دولية، كانت واشنطن قد بذلت جهودا حثيثة لبلورتها، ليست وليدة
فترة حكم ترامب الذي لم يدافع عن الاتفاق النووي.
وبينت الصحيفة أن الأمثلة
على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقات الدولية، التي دافعت عنها في
وقت سابق، لا تحصى ولا تعد. ففي سنة 1984، انسحب الرئيس الأربعين للولايات المتحدة
الأمريكية، رونالد ريغان، من منظمة اليونسكو. وفي الوقت الحاضر، يسعى ترامب للانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة التي
تجمع كلا من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي وافق الكونغرس الأمريكي على
إبرامها خلال سنة 1994.
ونوهت الصحيفة إلى أن
النظام الليبرالي العالمي يعد نتاج مبادرة قادها بلد لا يهتم بما يحدث خارج حدوده.
وفي هذا السياق، أشار الفيلسوف والكاتب، جون غراي، في إحدى مؤلفاته، إلى أن
"النهج متعدد الأطراف في السياسة الخارجية الأمريكية لم يمثل سوى "حالة
شاذة"، كانت نتيجة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. في الأثناء، يقف
التهديد الوجودي، الذي مثله الاتحاد السوفيتي، وراء الانفتاح الذي دام لسبعة عقود".
وأضاف المحلل السياسي أن
"هذا الأمر طبيعي؛ نظرا لأن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بما يحدث خارج
حدودها يتوقف على سببين اثنين؛ إما تهديد يترصد بها، أو فرصة لإطلاق مشاريع مربحة".
وذكرت الصحيفة أن عسكرة
السياسة الخارجية الأمريكية بدأت منذ وقت طويل، حيث أسس لها السياسي الأمريكي، بول
نيتز. وخير دليل على ذلك، هو العدد الحالي لعناصر القوات العسكرية الأمريكية الذي
يتجاوز عدد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية. وبفضل هذه السياسة، أصبحت الولايات
المتحدة الأمريكية قادرة على مهاجمة أعدائها دون مساعدة أي أطراف أخرى، ودون تكبد
أي خسائر تذكر. كما تضمن الولايات المتحدة الأمريكية دعم شعبها في تدخلاتها
العسكرية، بغض النظر عن رأي بقية دول العالم.
وأوردت الصحيفة أن عنصرا
آخرا يجعل الأمريكيين ينظرون إلى ما أبعد من حدودهم، ألا وهو المصلحة الاقتصادية
التي يمكن أن يحققوها. مع ذلك، وبعد أن رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن
الانفتاح التجاري والاقتصادي لم يعد بالنفع سوى على النخب، انسحبت من الاتفاقيات
المنصوص عليها، خاصة في ظل حكم الرئيس "الشعبوي"، دونالد ترامب.
وأشارت الصحيفة إلى أنه
على الرغم من تراجع القوة الأمريكية، إلا أنها ما زالت دون منافس حقيقي. وعموما،
تعد الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة قوة عالمية لها من النفوذ والسلطة ما يسمح
لها بالانعزال عن بقية العالم. لكن، لن ينتج عن هذا التقوقع سوى تراجع مكانتها، إذ إن إقدام واشنطن على إدارة ظهرها للعالم ليس إلا بوابة لخروجها من التاريخ.