قضايا وآراء

إنهم يقتلون الجياد.. أليس كذلك؟

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
كان هنالك عشرة أطفال اختاروا اللعب على قضبان المحطة الرئيسية لقطار البلدة غير عابئين بمخاطر هذا العمل الجنوني، باستثناء طفل انفصل عنهم واختار اللعب على قضبان سكة حديد مهجورة للمحطة نفسها. وعندما حانت اللحظة الفاصلة لاقتراب القطار بسرعة مذهلة مرعبة، أدرك ناظر المحطة حتمية التصرف لإنقاذ هؤلاء الأطفال. عندما قارن بين الأطفال التسعة والطفل الوحيد الذي اختار محطة مهجورة، قرر وبدون تردد أن يغير مسار القطار لمحطة السكة الحديدية المهجورة ليضحي بالطفل المسكين مقابل إنقاذ الأطفال التسعة دفعة واحدة. وبالفعل تم إنقاذ الأطفال التسعة والتضحية بالطفل تعيس الحظ.

إنها العدالة ولا شك!

ولكن لنتساءل: هل هي هذه العدالة فعلا؟

تُرى هل كان من الحكمة والرؤية بمكان أن يتم إنقاذ تسعة أطفال اختاروا بملء إرادتهم اللعب على قضبان السكة الحديدية للمحطة نفسها، غير مدركين لما يستتبعه هذا الفعل من كارثة محققة، والتضحية بطفل ذكي، بلا شك، كونه اختار اللعب الأكثر أمانا، على قضبان السكة المهجورة؟

ترى هل كان اختيار ناظر المحطة بالتضحية بالطفل الذكي صحيحا، أم العكس هو الصحيح؟

هل العدالة تقتضي المساواة بين الغباء والذكاء على حد سواء؟

لا شك أن ناظر المحطة باختياره ذلك يميل إلى ثقافة الكم، دونما النظر العميق الأفق في اللجوء لاختيار نوعي لإنقاذ طفل استثنائي.

هذا تماما ما تمارسه بانتظام ومنهجية الأنظمة المتخلفة والمجتمعات الغبية. إذ تغتال كل لحظة المواهب والقدرات الاستثنائية، تحت دعاوى عقيمة، فنخسر بمشروعية هذه الاختيارات، وجود من يعطي للحياة معنى وقيمة. نخسر. فاروق الباز، مجدي يعقوب، وسيد درويش، وو.. وو.. وغيرهم في شتى المجالات العلمية والفكرية والثقافية والفنية. إذ لم ندرك قيمة الجياد الاستثنائية كمعطى أساسي يحقق مشروعية لوجودنا الإنساني ليكون خطا دفاعيا أمام التخلف، وحافزا وجوديا يدفع بنا إلى مسار التقدم، حتى لا نخسر رهاننا الحقيقي بالحياة.

إنهم يقتلون الجياد.. أليس كذلك؟
3
التعليقات (3)
Shahinaz Elmahdy
الأربعاء، 25-04-2018 11:39 ص
بالفعل هم يقتلون أفضل الجياد ،، خوفا من اعمال العقل والتمرد عليهم
خالد
الثلاثاء، 24-04-2018 05:29 م
اتفق معك نخسر مجدي يعقوب ولكن فاروق الباز ولا اسامة الباز لا خسارة فيهم ...
هشام مراسي
الإثنين، 23-04-2018 10:13 م
أنهم يقتلون الجياد .. بكل تأكيد هي الحقيقة التي لايستطيع اي فنان او صحفي او اديب ان يقولها بهكذا اسلوب صادم ممتلئ بالجمال والوضوح .. في كل مرة اقول ان الفنان الحقيقي هو من يمثل وطنه وشعبه بل انت هنا الكبير هشام عبد الحميد اصبحت صوت الامة العربية الغافية في بؤسها .. الاغلب يعتقد ان الانبياء والمرسلين هم من يتبنون ويتحملون مسؤولية انقاذ الامم بكلمتهم وفعلهم وخبرتهم .. في كل مرة ارى اني لست اتعامل مع فنان كبير له وزنه في السينما العربية .. بل بفيلسوف فاض وعيه ليتكرم على شعبونا بالحقائق بشكل السهل الممتنع يمكن لابسط تفكير ان يهتز مع كلماتك وهذه السطور والامثلة واكيد لمن يحمل شئ من الفهم يدرك الكم الهائل من النور الذي تحمل مع أني اعلم ان هذا النور مؤلم بمسؤليته لحامله .. انت حامل النور ايها النبيل .