هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار القرار الأخير الذي أصدره وزير الإدارة المحلية محمد مخلوف، بإعادة تنظيم المناطق التي تعرضت للحرب، وتحديداً في الغوطة وغيرها، مخاوف وقلق الملايين من السوريين، حيث دعا الوزير إلى إعادة تنظيم هذه المناطق إدارياً، -وبحسب القرار- فإن أصحاب الأراضي عليهم أن يثبتوا ملكيتهم لها خلال مدة لا تتعدى 45 يوماً، وإلا فإن الدولة ستتصرف بالأمر، وهو أمر مستحيل تنفيذه في الظروف الراهنة، فإما القيود والصكوك قد ضاعت من أيدي أصحابها، أو أن المهجرين والمشردين البالغ عددهم 13 مليون مشرد في الداخل والخارج غير قادرين أو لا يتجرؤون على مراجعة دوائر الدولة خشية القبض عليهم، والزج بهم في غياهب السجون، فضلاً عن استحالة قيام مئات الآلاف من المعتقلين بإثبات ذلك، وهو ما يعني سرقة ممنهجة لملكيات الأراضي.
منذ مجيئ حزب البعث إلى السلطة، وتحديداً بعد وصول حافظ الأسد في عام 1970 إلى
السلطة، والأخيرة معنية -أكثر ما هي معنية- بإحكام السيطرة على العاصمة دمشق، ثم
توسعت إلى إحكام السيطرة على المدن والقرى والبلدات، بحيث حرصت على نشر مستوطنات
ومستعمرات عسكرية، لإخضاع أي انقلاب أو تمرد أو ثورة تحصل لاحقاً، فكان أن بدأ
النظام بالسيطرة على أراضي السوريين في محيط العاصمة دمشق، بسرقة أخصب الأراضي في
الغوطة الشرقية، ودفع أبخس الأثمان لملاكها من أجل نشر قواعد عسكرية، كما حصل مع
مطار مرج السلطان، بينما كان من السهل أن يتم تشييده على بعد بضعة كيلومترات في
مناطق صحراوية قريبة من الغوطة، لكن ظهر أن المخطط هو السيطرة على هذه الأراضي،
وسلبها من أهلها لتقليص الكتلة السنية الحرجة حول العاصمة لاحقاً.
وامتد ذلك إلى منطقة المعضمية التي لا تبعد سوى 3 كيلومترات، حيث اشترى الدونم
الواحد من أهلها بعشرة آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ زهيد في حينه، مما سلب الأهالي
82 % من أرضهم، حيث كان حجم أراضي المعضمية أكثر من 44 ألف دونم، ونفس الأمر تكرر
في التل وقطنا وداريا والزبداني وغيرها، ولذلك رأينا منذ بداية الثورة وعين البعث
على داريا لجوارها مطار المزة العسكري، حيث بدأ النظام مبكراً بتفخيخ البيوت
والبنايات من أجل تدميرها، والسطو على أراضيها لتسويتها، وجعلها منطقة آمنة للمطار
العسكري، وبهذا يسعى النظام إلى ضمان الطوق الدمشقي من الأقليات، بدءاً من عش
الورور والسومرية إلى الغوطة فالقلمون والتل، حيث كانت في البداية مستوطنات عسكرية
لحماية العاصمة، والأمر نفسه تكرر في المدن والقرى، والآن لينتقل إلى الخطة
الثانية المتطورة، وهي نشر مستوطنات ديموغرافية مجتمعية منسجمة مع طائفيته.
أراد النظام إرسال عدة رسائل من خلال هذا القانون، فالرسالة الأولى للموالين
والمقيمين تحت سلطته بألا يفكروا -ولو بعد حين- في الانقلاب عليه، ورسالة لدفع
المشردين إلى بيع أراضيهم بشكل عاجل خشية خسارة كل شيء، وببيعها الآن ستكون رخيصة،
لكونهم على عجلة من أمرهم، أو لأن مناطقهم لم يعد فيها خدمات كالسابق.
العرب القطرية