نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن حملة التضليل التي يشنها الكرملين لزرع الشكوك حول هجمات الأسلحة الكيميائية التي نفذها النظام السوري.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن موسكو ردت على الهجوم الكيميائي المزعوم في
سوريا باستراتيجية مألوفة. وتكمن هذه الخطة في الدخول في حرب تضليل إعلامي وخلط الحقائق من خلال نشر ما لا يقل عن خمسة روايات زائفة وأكاذيب. في المقابل، أكد العديد من الخبراء، بالاعتماد على بعض الدراسات، أن ما تم نشره يفتقر إلى أدنى مستويات المصداقية.
وبينت الصحيفة أنه لم يتم التحقق بعد من الهجوم الكيميائي في
دوما من قبل مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. لكن، تأكدت مجموعة من الصحفيين المستقلين والمواقع، على غرار الموقع الأمريكي سنوبس أو البريطاني بلينغ كات، من مدى مصداقية مقاطع الفيديو والصور التي سجلها النشطاء.
ويضاف إلى هذا الدليل تلك التي جمعتها منظمة الصحة العالمية، التي ذكرت أن "حوالي 500 شخص خضعوا إلى العلاج بعد التعرض إلى المواد الكيميائية السامة".
وأضافت الصحيفة أنه ردا على هذه الضغوطات، روجت وسائل الإعلام الروسية لجملة من القضايا المتناقضة ونشرت تقارير ملفقة، وهو سلوك اعتيادي لدى الكرملين عند مواجهة الحقائق. ومن جهتها، أكدت مجموعة من الخبراء أنه عادة ما يلتجئ جميع الأطراف إلى الكذب أو تضخيم الأحداث خلال الحرب. وفي مثل هذه الحالة، غالبا ما تعتمد
روسيا على نظرية المؤامرة والأدلة الملفقة؛ وهو ما يحتاجه الكرملين بشكل مؤقت لخلق الارتباك.
وأشارت الصحيفة إلى جملة الأخبار والتصريحات التي روجت لها روسيا حول الهجوم الكيميائي الذي جد في دوما. وفي هذا السياق، ادعت أن منظمة الخوذ البيضاء إرهابية. ويجدر التذكير بأن هذه المجموعة تعرف أيضا باسم الدفاع المدني السوري، وبفضل الكاميرات التي يحملها أعضاء الإنقاذ التابعين لها، تحولت المنظمة إلى واحدة من المصادر الأساسية لجمع الأدلة حول الهجوم الذي جد في سوريا.
ونظرا لنقص عدد الصحفيين الدوليين على الأراضي السورية، اكتسبت هذه المجموعة أهمية كبرى، بفضل قدرتها على توثيق معاناة المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا. وبناء على ذلك، يشكك الكرملين في حيادية الدفاع المدني السوري منذ سنوات.
من جهته، يشير الباحث في جامعة برمنغهام، لوكاس سكوت، إلى أن "روسيا لديها نزعة معادية للخوذ البيضاء، لأنها أظهرت كيفية تدمير القوات الروسية للمستشفيات أثناء حصار حلب خلال سنة 2016؛ وهو ما دفعها إلى التشكيك في نزاهة هذه المجموعة ووصفها بالإرهابية".
وأبرزت الصحيفة أن وسائل الإعلام الروسية قد ادعت أيضا أن مقاطع الفيديو التي تم نشرها مفبركة، وقامت بإصدار مقاطع وهمية للهجمات. وكان الهدف من ذلك توريط الدفاع المدني السوري والطعن في صحة مقاطع الفيديو التي تقوم المنظمة بنشرها. وفي هذا السياق، أكدت المدونة البريطانية فانيسا بيلي، أن "مجموعة الخوذ البيضاء تقوم بنشر مقاطع فيديو مزيفة".
من جهة أخرى، أكدت الراهبة الكاثوليكية لبنانية الأصل، أنييس مريم دي لا كروا، أن "هذه المجموعة تقوم بتزييف الحقائق، وأنها كانت على بعد كيلومترات من مكان الحادثة، ولم تتأثر برائحة الهجوم الكيميائي".
وأوردت الصحيفة أن الخبراء لم يعثروا على أي أدلة للتلاعب المتعمد من قبل مجموعة الخوذ البيضاء. وفي إحدى مواقع الإنترنت التي تروج لنظرية المؤامرة، ظهرت العديد من الأدلة المزعومة التي تدين هذه المجموعة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المجموعة قد قدمت اعتذاراتها في سنة 2016 بسبب نشرها لمقطع فيديو جسدت فيه عملية إنقاذ مزيفة. وأكدت أن نشره كان "بهدف التحسيس بمدى قيمة عملهم"، حيث تظاهر المشاركون في مقطع الفيديو بأنهم قد تجمدوا. ومنذ ذلك الحين، استخدمت وسائل الإعلام الروسية، على غرار أر تي، هذا التسجيل بمثابة دليل ضدها واتهمتها بتزوير مقاطع الفيديو.
وفي السياق ذاته، أكد الباحث لوكاس أنه "قد شاهد مئات مقاطع الفيديو الخاصة بالخوذ البيضاء، ولم يلاحظ أي معلومات مضللة، ربما يبالغون فقط في عدد الضحايا". وبالتالي، فإن أي خطأ تقترفه مجموعة الخوذ البيضاء سيكون سلاحا لعدوهم لتقويض مصداقيتهم.
وأفادت الصحيفة أنه بعد وقت قصير من الهجوم الكيميائي، روجت الحكومات ووسائل الإعلام الروسية وسوريا للفكرة القائلة إن "منفذي الهجوم هم من المعارضة، بمساعدة بريطانيا". ومن جهته، صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشنكوف، أنه كان لديه دليل على ممارسة المملكة المتحدة ضغوطات شديدة على الخوذ البيضاء "لإثارة الاستفزاز في أقرب وقت ممكن".
ووصفت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس، هذه الاتهامات بأنها "أكاذيب وقحة ووحشية". وعموما، يبدو أن الإعداد لهذه المؤامرة قد تم قبل شن الهجوم.
ونقلت الصحيفة أن وسائل الإعلام الروسية قد قامت بنشر بيان كاذب لأطباء في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في سوريا أنكروا فيه الهجوم الكيمائي على دوما. في المقابل، نفت المنظمة صحة هذه الادعاءات، حيث أكدت المتحدثة باسم المنظمة، رنا صيداني، أن "الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في سوريا والاتحاد الدولي ليسا في وضعية تسمح لهما بتأكيد أو نفي أي هجوم".
ونقلت الصحيفة أن المراقبين المستقلين، مثل لوكاس سكوت، يخشون أن "تستغل روسيا وجودها العسكري على الأرض لاختراع وتزييف الأدلة". وبعد يومين من الهجوم، بثت قناة الجزيرة شريط فيديو ظهر فيه أفراد عسكريون روس يزورون مبنى الهجوم المزعوم.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أنه في ظل التعتيم والتضليل الروسي، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، ايغور كوناشنكوف، أنه "سيتم إصدار مقابلة حية مع عدد من الممرضين الذين اعترفوا بأنه لم يكن هناك أي هجوم كيمائي". وهو ما حدث بالفعل. في المقابل، أكدت أحد مواقع المعارضة السورية أن "شهادات الأطباء كانت تحت التهديد بالاعتقال". لكن لم تتمكن صحيفة البايس من التحقق من هذه المعلومات بشكل مستقل.