هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد مرور قرن من الزمان على وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى الحق لليهود
في إقامة وطن قومي على أرض فلسطين العربية، يجيء الأمير المراهق، الطامع في العرش،
محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ليؤكد هذا الحق الباطل، ويضف إليه أنها أرض
أجدادهم، ومن حقهم أن يعيشوا في سلام وأمان، ويتحدث عن إمكانية إقامة العلاقات
الدبلوماسية والاقتصادية المستقبلية بين المملكة والدولة اليهودية، وحسب قوله
لجريدة أتلانتيك الأمريكية: "تشكل إسرائيل اقتصادا كبيرا مقارنة بحجمها، كما
أن اقتصادها متنام، ولعل هناك الكثير من المصالح الاقتصادية المحتملة التي قد
نشاركها مع إسرائيل" مؤكدا أن هناك مصالح مشتركة بين تل أبيب ودول الخليج".
ولقد قدم حُسن النوايا قبل رحلته الميمونة لأمريكا بالسماح برحلات
جوية إلى إسرائيل فوق أراضيها، ولعل هذا يفسر لنا لماذا لعبت السعودية دور المحلل في
صفقة جزيرتي تيران وصنافير لصالح الكيان الصهيوني، فهي بهذه الصفقة تستطيع أن تدخل
في علاقات مباشرة تتخطى التنسيق المشترك بشأن الحدود البحرية إلى التعاون والشراكة
الاقتصادية التي أعلن عنها! وتصريحاته هذه تزيل الشك، بل تؤكد تلك التقارير التي
ظهرت بشكل علني عن التعاون الأمني بين الطرفين، وتتحدث عن لقاءات تجري بين شخصيات
صهيونية رفيعة المستوى مع مسؤولين سعوديين، بل وفى زيارة ابن سلمان نفسه إلى
الكيان الصهيوني (التي لا يزال الجدل حولها) ليقدم أوراق اعتماده لتولي العرش السعودي!
ولعل
الأخطر من اعترافه بالكيان الصهيوني هو تصنيفه لحركة المقاومة الفلسطينية حماس،
شرف الأمة وعزتها، التي تقاوم هذا المحتل الغاصب كمنظمة إرهابية فهو لم ير مقتل
أكثر من 25 فلسطينيا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين في مسيرات العودة السلمية
إرهابا بل يرى أنهم أعداؤه المشتركون مع نتنياهو حين يقول بالنص وبالتزامن مع المواجهات
الدامية "نواجه وإسرائيل عدوا مشتركا " صبي بني سلمان الأمير
الولهان العاشق للمُلك يدفع صكوك جلوسه على العرش من دم الإخوان المسلمين حينما
يقول إنهم العدو المشترك بين السعودية والكيان الصهيوني بل أنه ذهب لأبعد من هذا في
حديثه لمجلة تايم الأمريكية واعتبر الجماعة الخطر الأعظم الذي مر بالعالم في المئة
عام الأخيرة، فهي العدو للعالم كله وهي تسعى إلى تحويل أوربا إلى قارة إخوانية
خلال الثلاثين عاما القادمة!
إنه يستعدي العالم كله على الإخوان المسلمين الذي هو في حقيقته استعداء
على الإسلام وقد سبقه في ذلك السيسي الذي قال في أحدى الاحتفالات بالمولد النبوي
الشريف " مش معقول مليار وستمائة مليون مسلم عايزين يموتوا العالم كله عشان
يعيشوا همة"!
لم
أخطئ حينما كنت من أوائل من قال منذ أول لحظة رفع فيها شعار الحرب على الإرهاب
"إنها في جوهرها حرب على الإسلام وإن ارتدت ثوب الإرهاب ورفعت راية براقة
تجمع الناس حولها وكي لا يستثيروا مسلمي العالم ضدهم وللأسف رأس الحرب فيها هم
الحكام العرب"، وكان ذلك مبكرا عام 2001 عند الغزو الأمريكي لأفغانستان عقب
خديعة تفجير برجي نيويورك واللذين كانا الذريعة للغزو، أعقبه غزو العراق الذي فتحت
أمام طائراته كل الأجواء الخليجية وسُمحت لأساطيله بالمرور من قناة السويس ولقواته
البرية بدنيس الأراضي العراقية من أراض عربية مجاورة، الكويت وهذه المملكة التي
يفتخر ولي عهدها ولا يستحي بأنها كانت أداه في يد أمريكا لتنفيذ مخططها الشيطاني
ضد المسلمين في أفغانستان، فالسيد الأمريكي الذي يعملون لحسابه، هو مَن أمرهم بنشر
الفكر الوهابي في الدول الإسلامية والدعوة للجهاد ضد الملاحدة الروس في أفغانستان،
وهو الذي أمرهم أيضا باحتضان الإخوان المسلمين في مصر في فترة الستينيات لتشكيل
قوة ضد جمال عبد الناصر وتمدد الاتحاد السوفيتي والشيوعية في المنطقة، وتغافل عن
دور الإخوان في نهضة بلاده علميا واقتصاديا وإخراجهم من الظلمات إلى النور، بل
ادعى هذا الكذاب الأشر أن الإخوان هم مَن قتلوا عمه الملك فيصل وتناسى أن الذي قتله
هو أبن عمه ولكنه على الرغم من جهله الشديد إلا أنه لا يجهل هذه الحقيقة مثلها مثل
فرية أن بلاده لم تعرف التشدد إلا بعد عام 1979، أي بعد نشوب الثورة الإيرانية،
وأن النساء في بلاده كن يقودن السيارات وكان يوجد في المملكة سينمات! هو يعلم أن
بلاده أنشئت على تحالف آل سعود مع آل عبد الوهاب وأن ركيزة الوهابية هي من ركائزها
وأهم دعائم حكم آل سعود لجزيرة العرب منذ أن تآمروا على الخلافة الإسلامية وساعدوا
الإنجليز، وهم عملائهم، على إسقاطها لإنشاء دولتهم التي تحمل أسمهم عام 1932، هو
الجاهل يعلم كل هذا والذين يخاطبهم يعلمون أكثر مما يعلم ولكنه يكذب، فهو يريد أن
يقدم بضاعته للسيد الأمريكي كي يرضى به ويتوجه على عرش بلاده، أنه رجل ليبرالي
منفتح على الغرب بكل مفاهيمه وقيمه وأنه يتكلم مثلهم وأصبح لسانه عبريا وقلبه
وفكره صهيونيا!
ولهذا ليس غريبا ولا مستغربا أن تحتفي بتصريحاته كل وسائل الإعلام
الصهيونية وتعلق له الزينات وتقيم الأفراح!
فقد
كتب الكاتب الصهيوني " تسفي برئيل" في جريدة "هآرتس" أخيرا
بعد مائة عام من تصريح بلفور جاء ملك سعودي وصاغ حق اليهود في دولة، وأضاف أن
للسعودية دورا كبيرا في تشكيل السياسات الموالية للغرب في الشرق الأوسط وعند
الحاجة يمكنها لي أذرع عربية وغربية كثيرة، وتابع بأن المصالح المشتركة بين
البلدين (كما اعترف ولي العهد بذلك) توضح أنه ليس للسعودية أية مشكلة في التعاون
مع تل أبيب حتى بدون وجود اتفاق سلام معها!
هل أصبح ولي العهد السعودي صديقا لإسرائيل؟ كان هذا التساؤل عنوانا لصحيفة
" جيروزايم بوست" رأت فيه الصحيفة أن ولي العهد السعودي قام بشيء استثنائي
وتاريخي في مقابلة مع "جيفري جولدبرغ" اليهودي من مجلة أتلانتيك وهو الاعتراف
بإسرائيل، أن الحاكم السعودي الذي يتحدث عن حق إسرائيل في الوجود هو مُغيَر
اللعبة، الآن يوجد زعيم المملكة العربية السعودية يتحدث صراحة عن حق إسرائيل في
الوجود ويتحدث بانفتاح عن اليهود الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية ويدين
تمويل الجماعات الإرهابية مثل حماس والإخوان المسلمين وجعل القضية الأكثر قوة ضد
إيران من رئيس الحكومة الإسرائيلية، يستحق أن يأخذ تصريحاته هذه مأخذ الجد ويستحق
التعامل معه وتابع: هل أصبح محمد بن سلمان صديقا لإسرائيل ولشعب إسرائيل؟!
ونحن بدورنا نجيب عليهم، ليس محمد بن سلمان وحده من آل سعود صديقا
للكيان الصهيوني وللشعب الصهيوني بل معظم حكام المملكة منذ إنشائها أصدقاء للكيان
الغاصب وللشعب الصهيوني مثلهم مثل باقي الحكام العرب ولكن الفرق أن ابن سلمان كان
أكثر جرأة أو تقل أكثر وقاحة أن أظهر هذه العلاقة وهذا الحب الدافئ للعلن بينما
الآخرون يمارسون تلك العلاقة الحرام في الخفاء وهذا ما دفع رئيس الوزراء الصهيوني
نتنياهو أن يقول "إن مشكلتنا مع الشعوب العربية وليس مع الأنظمة
العربية" ولأن الحكام العرب وكلاؤهم في المنطقة، وحراس حدود الكيان الصهيوني
وعيونه الساهرة التي تحميه؛ لذلك أصبح الإخوان المسلمون هم العدو المشترك بينهما،
فالإخوان المسلمون هم من ألحقوا الخسائر والهزائم بالعصابات الصهيونية في حرب
1948وكانوا على أبواب تل أبيب لولا خديعة الهدنة وخيانة الحكام العرب، فالصهاينة
يعلمون جيدا قوة الإخوان المسلمين ويعلمون أن هزيمتهم لن تكون إلا على أيدي رجال
ذو عقيدة ولهذا فهم يحاربون تلك العقيدة، يحاربون الإسلام ومن هنا جاءت الحرب
العالمية على الإخوان المسلمين...
ذكرتني
تصريحات هذا الأمير المغرور بتصريحات جمال عبد الناصر أثناء زيارته للاتحاد السوفيتي
عام 1966 وإعلانه لأول مرة من موسكو، عقر دار الشيوعية، أعداء الإسلام عن كشف
مؤامرة من تنظيم الإخوان المسلمين يتزعمه سيد قطب لقلب نظام الحكم، وبعد عام حدثت
هزيمة 67 النكراء، وذُل عبد الناصر ومات مهزوما حتى أن البعض يذهب بالقول إن عبد
الناصر مات عام 67 ودفن عام 70 ! فيا ترى ما الذي تخبأه الأيام وتداريه بين طياتها
لابن سلمان بل وللمملكة العربية السعودية كلها؟
*****
وعلى
الرغم من مكوث الأمير الطامح للعرش ثلاثة أسابيع في الولايات الأمريكية المتحدة
هائما في بلادها، شمالا وجنوبا وأدلى بأحاديث صحفية وأجرى مقابلات تليفزيونية هنا
وهناك إلا أنه لم ينطق ببنت شفه على قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف
بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وكيف ينطق وهو الذي أهانه أثناء زيارته قائلا إن
ملوك هذه الدول الغنية، ويقصد حكام الخليج، سيضطرون إلى التخلي عن طائراتهم
الخاصة ونمط حياتهم الفخم حال انسحاب أمريكا من المنطقة!
وأيضا
كشفت شبكة الـCNN الأمريكية أن الرئيس ترامب قال لأحد حكام الخليج
في اتصال تليفوني الأسبوع الماضي " أنتم من دوننا ما كنتم لتستمروا في
مواقعكم مدة أسبوعين"..
حكام
يتلقون الإهانات المتوالية من السيد الأمريكي، ولا يستطيعون ردها، فهو الذي يجلسهم
على عروشهم وليس شعوبهم، بل من السخرية أنهم يردونها لشعوبهم بمزيد من القهر
والقمع والذل!
فإذا
كان وعد بلفور قد مكن الصهاينة من أرض فلسطين العربية فإن وعد ابن سلمان سيمكن الكيان
الصهيوني من السيطرة والهيمنة على كل البلاد العربية ونهب وسرقة ثرواتها، أنه حقا
الأمير المعجزة الذي صُنع على أعينهم والملك القادم الذي صنعوه لأنفسهم!