هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن فريقها الصحفي الذي تمكن خلال خمس رحلات إلى العراق من الدخول إلى المباني الإدارية التي
استخدمها تنظيم الدولة سابقا، وجمع آلاف الملفات التي تركها مقاتلو التنظيم وراءهم
أثناء انهياره، ما مثّل فرصة نادرة لفهم كيفية إمساك التنظيم بزمام الأمور كل ذلك
الوقت.
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مقاتلي تنظيم الدولة، بعد أسابيع من سيطرتهم على مدينة
الموصل العراقية، كانوا يجوبون الشوارع، ويعيدون صياغة القوانين بحسب تفكيرهم
المتطرف، وقاموا بنشر دعوات عبر مكبرات الصوت والهواتف الجوالة، تدعو كل الموظفين
والعمال للعودة إلى مكاتبهم.
ومن
بين من وجهت لهم الدعوة ولم يجدوا مفرا من العودة؛ محمد نصار حمود، الذي يعمل منذ 19 سنة
في مديرية الزراعة. وقد عاد حمود وزملاؤه إلى المبنى المؤلف من ستة طوابق،
ليجدوا في انتظارهم كراسي مصفوفة ومحاضرة حول النظام الجديد.
وأضافت
الصحيفة أن قياديا في تنظيم الدولة وقف أمامهم، وكان يحمل سلاحا ويحرص على إبرازه،
وهو ما نشر الذعر في صفوف الموظفين. ولكن، سرعان ما تبددت مخاوفهم، إذ كان طلبه
عقلانيا جدا، حيث قال: "عودوا فورا إلى وظائفكم. سوف يتم وضع ورقة حضور في
مدخل كل قسم، وكل من يتغيب سيتعرض للعقاب".
وأكدت
الصحيفة أن مثل هذه الاجتماعات تكررت في كامل المساحة التي سيطر عليها تنظيم
الدولة في سنة 2014. وخلال وقت وجيز، عاد الموظفون والعمال إلى أعمالهم. وشهدت المدن
عودة أشغال إصلاح الطرقات، وتزيين الأرصفة، وإصلاح التيار الكهربائي، والإشراف على
دفع الرواتب.
واعتبرت
الصحيفة أن هؤلاء المقاتلين غير النظاميين، الذين ظهروا من الصحراء قبل ثلاث
سنوات، نجحوا في إنشاء دولة، لم يكن أحد يعترف بها غير هؤلاء المقاتلين أنفسهم.
ولكن، رغم ذلك، وعلى امتداد ثلاث سنوات، تمكن التنظيم من إحكام سيطرته على مساحة
كانت في بعض المراحل تناهز مساحة بريطانيا، ويصل فيها عدد السكان إلى حوالي 12 مليون نسمة.
وأضافت
الصحيفة أن تنظيم الدولة خسر تقريبا كل أراضيه، ولكن ما تركه مقاتلوه خلفهم يساعد
على الإجابة عن الأسئلة المعقدة حول طول بقاء التنظيم، وكيفية تمكن هذه المجموعة
من المقاتلين من إثارة الصدمة في كافة أنحاء العالم بمشاهد العنف التي نشروها،
والتمسك في آن واحد بهذه المساحة الكبيرة من الأراضي.
وأوضحت
الصحيفة أن جزءا من الإجابة عن هذه الأسئلة يكمن في أكثر من 15 ألف صفحة من الوثائق الداخلية التابعة لتنظيم الدولة، التي
تمكن فريق الصحيفة الصحفي من الحصول عليها خلال خمس رحلات قام بها إلى العراق على
مدى أكثر من عام.
وبينت
الصحيفة أن هذه الوثائق أُخذت من أدراج المكاتب التي جلس عليها المقاتلون في يوم
ما، ومن رفوف مراكز الشرطة، ومن طوابق محاكمهم، وخزائن معسكرات التدريب، ومنازل
الأمراء. ومن بينها، على سبيل المثال، وثيقة تقدم تفاصيل حول سجن طفل يبلغ من
العمر 14 سنة، بتهمة الاستهزاء بالصلاة.
ونوهت
الصحيفة إلى أن هذه الوثائق تكشف عن أسرار نظام الحكم المعقد داخل هذا التنظيم،
وتؤكد أن هذه المجموعة من المقاتلين، ولفترة محدودة على الأقل، حققت حلمها في
إقامة دولة خاصة بها، ذات نظام حكم ديني تسميه الخلافة، وتديره بحسب تفسيرها
المتشدد للإسلام.
وأكدت
الصحيفة أنه رغم الصورة التي ترسّخت في أنحاء العالم حول وحشية تنظيم الدولة، إلا
أن مقاتليه لم يحكموا بحد السيف فقط، بل مارسوا السلطة باستعمال ثنائية العنف
والبيروقراطية، حيث حقق التنظيم الفاعلية الإدارية، من خلال جمع الضرائب وتقديم
الخدمات للسكان.
وذكرت
الصحيفة أن الوثائق والمقابلات الصحفية التي أجريت مع عشرات الشهود، الذين عاشوا
تحت حكم تنظيم الدولة خلال تلك الفترة، أكدوا أن التنظيم قدم خدمات أفضل من
الحكومة العراقية التي حل محلها. كما أثبت في عدة فترات أنه أكثر كفاءة منها،
وأوجد حلولا لمشاكل ظلت عالقة لسنين، مثل انقطاع الكهرباء.
وأشارت
الصحيفة إلى أن التنظيم استفاد أيضا من الأخطاء التي وقعت فيها الولايات المتحدة
بعد غزو العراق في 2003، حين أصدرت قرارا بحل حزب البعث وإقصاء منتسبيه من الحياة
المدنية، وهو ما أدى فعلا للقضاء على الدولة البعثية، ولكنه أدى أيضا لانهيار
مؤسسات الدولة، وخلق فراغا استفادت منه مجموعات مثل تنظيم الدولة. ولذلك، سارع
التنظيم إلى استيعاب كل الكفاءات الإدارية والكوادر الحكومية.
وأوردت
الصحيفة أن أحد مفاتيح نجاح التنظيم كان تنويع مصادر دخله، وهو ما جعل الغارات
الجوية غير كافية للتأثير عليه، حيث إن دفاتر الحسابات، والفواتير والوصولات، تظهر
كيف تمكن هؤلاء المقاتلون من حصد الأموال من كل شبر في الأراضي التي سيطروا عليها،
وذلك من خلال فرض ضرائب على كل كيس حبوب، وكل لتر من حليب الأغنام، وكل بطيخة تم
بيعها في الأسواق. وقد جمعوا، من خلال الزراعة وحدها، مئات الملايين من الدولارات،
ليحققوا بذلك الاكتفاء الذاتي، ويكذبوا النظرية التي تقول إن التنظيم كان يحصل على
التمويل من الخارج.
وفي
هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن فواز جرجس، مؤلف كتاب "تنظيم الدولة:
تاريخ"، قوله: "نحن ندرك أن تنظيم الدولة يتصف بالوحشية والبربرية، لكن
مقاتليه في الوقت ذاته أدركوا الحاجة للحفاظ على المؤسسات. إن قدرة هذا التنظيم على
ممارسة الحكم لا تقل خطورة عن قدرته القتالية".
وذكرت
الصحيفة أن تنظيم الدولة، ومن قبله أسامة بن لادن، لطالما حلم بإقامة مجتمع يشبه
ذلك الذي وجد في عهد الرسول. وفي هذا السياق، تم تغيير اسم مديرية الزراعة، لتصبح
ديوان الزراعة، وهي العبارة التي كانت مستخدمة في عهد الخلفاء. علاوة على ذلك،
أطلق التنظيم دواوين جديدة لأشياء لم يكن الناس يسمعون بها، مثل الحسبة، التي
كانت تثير الخوف باعتبارها شرطة الأخلاق، وديوان آخر مخصص لغنائم الحرب.
وأوردت
الصحيفة أن التنظيم أصدر أيضا دليلا مكونا من 27 صفحة، يتناول مسألة مصادرة الممتلكات، التي تعود إلى الذين
يوصفون بأنهم "شيعة، ومسيحيون، ومرتدون، ونصيريون، ويزيديون". ولم تقتصر
المصادرة على الأراضي والمنازل فقط، بل شملت حتى الأسرّة، والطاولات والخزانات،
وإعادة توزيعها على العائلات السنية.
ونقلت
الصحيفة عن حمود ملاحظته أن الشوارع كانت في ذلك الوقت أكثر نظافة مما هي عليه في
عهد الحكومة العراقية، وهو ما يوافقه فيه عمر بلال يونس، سائق الشاحنة البالغ من العمر 42 سنة، الذي لاحظ بحكم تنقله الدائم في أرجاء "دولة
الخلافة" أن التنظيم كان ناجحا جدا في جمع القمامة وتنظيف الشوارع.
وأوضحت
الصحيفة أن الموظفين ذاتهم كانوا يعملون تحت سلطة الحكومة العراقية وتحت سلطة
تنظيم الدولة، ولكن ما تغير هو أن مقاتلي التنظيم فرضوا الانضباط الذي كان غائبا.
وهو ما يؤكده سالم علي سلطان، المشرف على عمال جمع القمامة في بلدة تلكيف، الذي
يقول إنه تحت حكم الدولة العراقية، كانت أقصى عقوبة تُسلط على العامل هي اقتطاع
أجرة يوم. ولكن، مع وصول تنظيم الدولة، أصبحت عقوبات التقصير في العمل تصل إلى حد
السجن.