مقالات مختارة

لماذا تكون قدوتكم دائمًا الأسفل في العالمين؟!

جمال سلطان
1300x600
1300x600
هناك منطق سهل جدًا ورخيص جدًا ليتهرب أي مسئول من مسئولياته عن الانهيارات التي تحدث في بلده؛ بسبب سوء سياساته أو فشله، وهي أن تغير مجرى الكلام لكي تتحدث عن فشل أكبر أو مشابه في بلدان أخرى أو انهيارات في بلدان أخرى، فتقول لأحدهم إن الفساد منتشر في الدولة فيقول لك: الفساد منتشر في كل الدول، وتقول له إن الظلم الاجتماعي فادح، ويعاني منه ملايين المصريين، فيقول لك: الظلم الاجتماعي في جميع الدول بصور مختلفة حتى في أمريكا، وعندما تقول له إن الاستبداد وقمع الحريات يدمر البلاد، ويتسبب في هجرة عقولها المبدعة وطاقاتها الرفيعة، فيقول لك: يحدث في كل مكان، كان هذا الأسلوب العقيم والذي يشبه ما كنا نسميه صغارًا لعبة "حاوريني يا تيتة"، كان يكثر من استخدامه نظام مبارك، حتى انتهى به إلى الهلاك، وهي لعبة ذهنية تقوم على تجاهل الفروقات الكبيرة بين الظواهر الإنسانية، فالفساد ـ مثلًا ـ في فرنسا أو بريطانيا موجود ولكنه بنسبة لا تصل لواحد في المائة؛ مما هو في العالم الثالث، ثم هناك مؤسسات وأجهزة رقابية مستقلة وصارمة تلاحق الفاسد مهما علا منصبه ومهما مضى من زمن، وقضية الرئيس الفرنسي السابق ساركوزيه مثل لذلك.

الآن في مصر طوروا هذه اللعبة، والتطوير الجديد هو أنك عندما تحدثه عن مظاهر الفساد أو القمع أو السلبية أو سوء التخطيط في البلد يضرب لك مثلًا ببلد حاله أكثر بؤسًا من حال بلدك، ويقول لك: انظر إلى البلد الفلاني، انظر إلى سوريا والعراق، وعندما بدأت أحوال العراق تتحسن استبدلوها باليمن، فيقولون الآن: انظر إلى سوريا واليمن، مش أحسن ما نكون مثل سوريا واليمن.

الإنسان العادي الذي يبحث عن موقع يليق به وبأبنائه بين البشر يجتهد لكي يأخذ القدوة والنموذج ممن هم أفضل منه، ومن حققوا إنجازات ضخمة وكبيرة، في العلم أو الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة والفن أو غير ذلك، دائمًا الإنسان يبحث عن القدوة العالية، لذلك لا تجد بين العقلاء من يتخذ القدوة لأبنائه في تجار المخدرات مثلًا، أو لصوص المال العام، أو البلطجية وأصحاب السوابق الإجرامية، وعندما يفشل ابنه في الثانوية العامة مثلًا ويأتي بمجموع تافه لا يقول إنه أحسن من ابن فلان تاجر المخدرات! بل يحزن للانهيار الذي حدث في تربيته ويطلب منه التأسي بغيره من المتفوقين والجادين والذين ذهبوا إلى كليات القمة، لكنا نجد هذا الخلل العجيب عندما نتحدث عن الأغلى لدينا، عن الوطن، فدائمًا لا نبحث له عن قدوة إلا في الأسفلين، أسوأ ما في العالم نستحضره، لكي نزعم أننا في وضع جيد ومعقول، واحمد ربنا وبوس إيدك وش وضهر، فإذا كنا نتحدث عن الديمقراطية والحريات وكرامة المواطن ودولة القانون وانهيار تلك المنظومة في بلادنا منذ عقود، تجده لا يفكر أبدًا في أن يستذكر قدوة إنسانية ناضجة وإنسانية ومتحضرة مثل إيطاليا أو ألمانيا أو إسبانيا، أو حتى بتسوانا وجنوب أفريقيا وليبيريا في قارة أفريقيا أو اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا في آسيا، وهؤلاء كانوا متخلفين عنا بمراحل في مضمار الحضارة والتنمية على كل الأصعدة قبل أربعين سنة أو أقل، تجده يهرب من تلك القدوة ليضرب لك المثل بكوريا الشمالية أو بالصومال لكي يثبت لك أننا أحسن حالًا، واحمدوا ربنا على كده، وإذا تحدثت عن تراجع مصر المروع على صعيد التطور الحضاري والتنموي تجده يحدثك عن الصومال وموريتانيا وأي بلد يخطر على باله يكون قد عانى في هذا السبيل، هو يبحث عن أسوأ قدوة ممكنة في أي مجال، لكي يهرب من الاعتراف بالمسئولية عن حال التردي والفشل الذي نعيش فيه.

عندما طرح بعض "أهل الشر" فكرة تعديل الدستور لفتح مدد الرئاسة، وحذر العقلاء من خطورة ذلك على استقرار البلد وعلى أمنه وأمانه، وعلى تراكم الخبرات والتداول السلمي للسلطة، قالوا لك إن "الصين" فعلتها، باعتبار أن الصين عريقة في الديمقراطية مثلًا، وليست إمبراطورية شيوعية يحكمها حزب واحد ديكتاتوري، ولها خصوصية ثقافية قديمة في تأليه الإمبراطور، وكثير من التقارير الآن تؤكد أن هذه الخطوة ستكون كارثية على الصين ومستقبلها، لأسباب يطول شرحها.

والطريف أن أحدهم، عندما كتبت عن خطورة اللعب بالدستور وتعديله لخدمة الحاكم، احتج على بأن "أردوغان" عدّل الدستور، وأردوغان هذا هو رمز الشر والاستبداد والقبح والكراهية عنده وعند كل مؤيدي النظام، ولكن كل تلك السوءات التي ينسبونها له لم تمنعهم عن أن يستحضروه قدوة، ومثلًا في إجراء ما يرونه خادمًا لأفكارهم، رغم الخلاف العميق بين التجربة التركية والمصرية وهذا أيضًا مما يطول شرحه.

أمة لا تبحث إلا في نفايات البشر وصندوق قمامة العالم عن نماذج تتأسى بها وتعمل على نهجها وتتخذها قدوة لا تتوقع أن يكرمها الله بنهضة ولا تطور ولا نمو، لا تتوقع إلا أن تنتهي تجاربها إلى نفس حال النفايات التي اتخذتها قدوة، والمصيبة أن أبناءنا وأحفادنا هم من سيدفعون الثمن.

المصريون المصرية
2
التعليقات (2)
اينشتاين
الجمعة، 06-04-2018 07:23 م
لعل الأخ مصري جدا يقصد بكلامه الحاجة إلى المسلم المتحضر ، أليس كذلك ؟ وإلا ما هي مواصفات الإنسان البديل ؟
مصري جدا
الجمعة، 06-04-2018 04:50 م
المواطن والنماذج السفلى ليست قدوة لهم ،،، لكنها ثقافة التبرير التى تربى عليها المجتمع من اطفال الرياض حتى اساتذة الجامعات بمن فيهم النخب وبالطبع القادة السياسيين والعسكريين ،،، الحل في تطوير نظم التربية والتعليم والتكوين والتتشئة لتكون هناك جملة من المواصفات والمعايير للمنتج التربوي لهذه المؤسسات ،،، غير ذلك فنحن ننفخ فر قرب مقطوعة ،، انه بناء الانسان ،،،