لعنة القذافي تطارد ساركوزي

السياسة لعبة تقتضي كثيرا من الغموض والنفاق وقليلا من الوضوح والشفافية.. لذلك ينكشف أمر السياسيين لاحقا، فبعد 11 عاما يقع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في قبضة العدالة.. ساركوزي لم يسرق أو يمد يده إلى خزينة الدولة فتلك عادة رؤساء وزعماء العالم الثالث، لكنه لم يكن شفافا في أمر تمويل حملته الانتخابية في 2007، وهذه اتهامات الادعاء الفرنسي إذ أن حملة ساركوزي استفادت من ملايين اليوروهات من أموال غير مشروعة قدمها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.. التحقيق فتحته السلطات الفرنسية عام 2013 لكن أمر التحفظ تم الأسبوع الماضي، وأفرج عنه مساء الأربعاء بعد توقيف استمر يوما كاملا.

ترامب أيضا يواجه اتهامات بتدخل روسي في حملته الانتخابية، ورغم أن وجود الرجل على سدة السلطة مكنه من استخدام أدوات وآليات الدولة في مقاومة هذه التهم بشتى الأساليب لكن عينه لن تنام وسيجرجر إلى ساحات القضاء الأمريكي ولو طال السفر.

إذن لعنة القذافي تطارد ساركوزي وقد حولت حياته جحيما وذكر ذلك بنفسه لصحيفة لوفيجارو.. وبعد أن قضى الثعلب ساركوزي وطره من أموال القذافي كان أول من أرسل طائرات حربية لتنفيذ أعمال ضد قوات القذافي في مارس عام 2011، ضمن التدخل الأجنبي في ليبيا الذي أدى في نهاية المطاف إلى تمكين المقاتلين الليبيين من السلطة والإطاحة بالقذافي.

ومن تناقضات ساركوزي قيامه بالدفع نحو اتخاذ تدابير للحد من الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك الترحيل الجماعي للمهاجرين الوافدين من رومانيا، رغم أنه في الأصل ابن مهاجر مجري وأم فرنسية من أصل يوناني يهودي..

على كل، أيا كان حجم إدانة ساركوزي فإنه لن يسحل في شوارع باريس أو يقتله مناوئوه ويمثلون بجثته، فهذا لا يحدث إلا مع زعماء العالم الثالث وساركوزي من العالم الأول. لقد انتهى القذافي في ليبيا، لكن بقيت صورة مؤلمة بل بشعة لايزال صداها يتردد وتسترجعها عقولنا المنهكة بشكل متكرر.

تلك صورة جعلت المجلس الانتقالي الذي تولى السلطة بعد سقوط القذافي يعلن تحت ضغط تلك الصورة عن تحقيق لمعرفة الكيفية التي قتل بها القذافي.. كان الرجل مضرجا بدمائه بعد أن نالت منه طلقات الثوار ما نالت، فكرست في أذهان الغرب تلك الصورة التي يحتفظون بها في مخيلتهم عن الأمة العربية وربما الإسلامية.. المتحدث باسم المجلس الانتقالي قال حينذاك أن القذافي أعتقل سليما (أي أصبح في حكم الأسير)، ثم من بعد ذلك أصيب في ذراعه ثم في رأسه. لقد كانت جرائم القذافي ونظامه في حق الليبيين عظيمة وبشعة، لكن الثوار جاءوا ليؤسس نظاما جديدا يقوم على قيم الإنسانية والعدل والحرية.

في سبتمبر 2009 في أول كلمة له أمام ذلك المحفل الدولي، مزّق القذافي جزءا من ميثاق الأمم المتحدة، وقذف بالكتاب الأبيض بحركة درامية في الهواء عاليا.. يا لها من "لحظات كلاسيكية" ستبقى محفورة في تاريخ الجمعية العامة.. القذافي تحدث لنحو ساعة ونصف الساعة كاملة متجاوزا الزمن المحدد له، ومع ذلك لم يكن خطابه المرتجل الأطول في التاريخ أو حتى قريباً من الرقم القياسي الذي يحمله الرئيس الكوبي فيدل كاسترو السابق الذي تحدث لأكثر من 4 ساعات في ستينيات القرن الماضي أمام الجمعية العامة.

نستطيع أن نزعم أن العرض المسرحي والأسلوب الساخر كان أفضل تكنيك يستخدمه زعيم ليلفت النظر، بل ليحرك مياه الأمم المتحدة الراكدة ويسلط الأضواء على الخلل القيمي في أدائها.. أكثر من "65 حربا" اندلعت منذ إنشاء الأمم المتحدة منذ 70 عاما تثبت أن المبادئ التي تأسست عليها المنظمة الدولية قد تعرضت للخيانة.. هذا ما حاول القذافي تأكيده.

الشرق القطرية