هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتخابات 2009 لن تُعاد. لا بأس بشيء من النوستالجيا حيالها، هي التي
عرفت لأول (وآخر؟) مرة مبارزة شاملة بين ائتلافين انتخابيين عريضين، في طول البلاد
وعرضها، وبين منظارين سياسيين إجماليين، وقيل يومها بين ثقافتين متباينتين مبنى
ومعنى، وربما كان في هذا إفراط في القول.
الموسم
الانتخابي لهذا العام مختلف للغاية. بشيء من المجازفة بالمستطاع القول إن درجة
التسييس مرشحة لأن تكون مرتفعة في دائرة بعلبك الهرمل، ومتفاوتة في الانخفاض في
سائر الدوائر الأخرى، بل إنها ستأخذ في عدد من الدوائر سحنة "الانتخابات
البلدية"، هذا في البلد الذي من عادة انتخاباته البلدية والنقابية بل
الطالبية، بل انتخابات لجان المباني فيه، أن تكون على جانب من الفرز السياسي. خارج
بعلبك الهرمل، عصفت ثنائية اللوائح المقفلة ومبدأ الصوت التفضيلي السياسة عصفا،
ووضعت مقابل بعضهم البعض مرشحون لا يترددون لحظة واحدة في الإقرار بأن لهم في
اللائحة المنافسة حلفاء في السياسة ولهم على متن لائحتهم هم أخصام، إنما القانون
حكم، أو المنافسة حكمت، أو هو عبث الأقدار.
واذا
كان من غير الواضح حتى الآن كيف "سيعالج" حزب الله تكثف التسييس
الانتخابي في دائرة يعتبرها "خاصرته"، بعلبك الهرمل، في وقت كان الهدف
الواضح من إقرار هذا القانون إبعاد "الانتخابات المحتدمة" عن دائرة
نفوذه، بما يثقل كاهل أخصامه، أو حتى بعض حلفائه، واذا كانت الأيام القليلة
الفاصلة عن موعد التسجيل النهائي للوائح هي مدة لا يمكن القفز فوقها، وما قد
تحمله، واذا كانت المعركة محددة، من طرف تيار "المستقبل" بأنها إما
انتزاع ثقة الناس من جديد بالمشروع الاقتصادي والسياسي وبأسلوب بلوغ مرامي هذا
المشروع كما يجسدها التيار ورئيسه سعد الحريري، فيما المعركة هي عند "حزب
الله" وأمل "تحاشي الخرق"، وهي عند "التيار الوطني الحر"
معركة الحفاظ على كتلة نيابية كبيرة موالية لرئيس الجمهورية، فان معركة 2018 ككل
ينخفض فيها منسوب السياسة مقارنة بتلك السابقة عليها بتسع سنين، لكن، وهنا بيت
القصيد، فان انتخابات 2009 توجت تراكما سياسيا لسنوات محتدمة وصاخبة، غير أن
السياسة "انمحت" بعدها، نوعا ما، في حين أننا اليوم أمام احتمال متزايد
لانقلاب في المشهد: السياسات ومآلاتها ومفترقاتها وأماكن الوصل والفصل فيها ستكون
حاضرة بعد الانتخابات، وفي ضوء مسار المعركة والنتائج، اكثر من حضورها في المعركة
الانتخابية نفسها. السياسة هذه المرة ستبدأ بعد الانتخابات، في حين أنها قبل تسع
سنوات، "سقطت متأثرة بجراحها" ثاني يوم الانتخابات، وانقلب انتصار قوى
14 آذار فيها إلى خيبة، خيبة بلغت أوجها عام 2013 يوم الانقسام على خلفية القانون الأرثوذكسي،
ثم مع الانقسام على خلفية الخيار المستحسن للإفلات من الشغور الرئاسي، ثم الالتقاء
بين اكبر تشكيلين آذاريين على التسوية الرئاسية والحكومية، في مقابل اعتراض
مجموعات عديدة على هذا المسار، وبالتوازي، عدم قيام "سياسة مشتركة" بين
الذين ارتضوا الانخراط في عقد التسويتين الرئاسية والحكومية، وهو ما لا يمكن
اختزاله في بعد واحد، لكن ثمة اختلاف حقيقي هنا بين الانخراط في عقد تسوية والسعي
لتحسين شروطها، وبين الانخراط في عقد تسوية وحكومة والتصرف أحيانا كما لو انك
خارجها.
هذه
التسوية المدشّنة بانتخاب الرئيس ميشال عون ثم تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري إلى
أين؟ هل تسهّل الانتخابات إعادة تجديد عقد هذه التسوية، هل تساهم في تحسين شروطها،
وقبل كل شيء في صيانة شروطها؟ هذا هو الأساس السياسي للانتخابات الحالية. هي اقل
تسييسا من تلك السابقة، لكنها لا تعدم أساسا سياسيا، محدودا اذا ما قورن بما كان
يطرح من مواجهة قبل تسع سنوات بين "العبور إلى الدولة" وبين "إعادة
تشكيل السلطة" في لبنان، لكنه أساس سياسي مفصلي، اذا ما استشرفنا مرحلة ما
بعد الانتخابات من الآن، مرحلة ستلعب فيها وقائع الموسم الانتخابي ونتائجه دورا أساسيا
في إعادة بلورة، ليس فقط الأحجام، وإنما الفرز السياسي نفسه في البلد.
المستقبل اللبنانية