هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انطلقت أمس فعاليات التصويت في انتخابات رئاسة الجمهورية الجديدة للمصريين في الخارج، وهي من المكاسب التي عززتها ثورة يناير لملايين المصريين في الخارج الذين كانوا أقرب للإهمال والتهميش السياسي، واستمر التصويت اليوم، وسط عملية حشد إعلامي صاخب جدا ولافت للانتباه، على الرغم من أن الانتخابات تجري في ظل غياب منافسة حقيقية تهدد فرصة فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمنصب لفترة جديدة، وهو ما يفترض معه أن تكون الأجواء أكثر هدوءا وبساطة ونمطية، ولا معنى لهذه العصبية الشديدة التي يتم بها التسويق للانتخابات ومتابعة أمورها، ولكن يبدو أن المنافس الحقيقي للسيسي ليس هو موسى مصطفى وإنما هو الصندوق نفسه، وأن التحدي هو في عدد الأصوات التي تشارك في الانتخابات، باعتبارها ستكون مؤشرا حقيقيا على مدى القبول الشعبي بالرئيس الجديد ومدى الالتفاف حوله من عدمه.
حرص
الإعلام الرسمي والموالي على عرض صور طوابير للناخبين، خاصة في العواصم العربية
الخليجية مثل الكويت والإمارات، مع تأكيد على أن هناك زحاما شديدا وحشودا غير
مسبوقة على صناديق الانتخابات، غير أن المشاهد التي التقطتها وكالات أنباء أجنبية
ربما لا تعطي الانطباع نفسه، كما أنه لو أخذنا في الاعتبار تصريحات القنصل المصري
في الإمارات عن أن عدد المصوتين مع غلق الصناديق في اليوم الأول وصل إلى ستمائة
مواطن، فسيكون الانطباع أكثر تواضعا عن حجم التصويت، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار
أن الإمارات تحتضن قرابة نصف مليون مصري من العاملين بالخارج، وأن عدد أفراد وأسر
البعثات الديبلوماسية المصرية الضخمة وملحقياتها هناك ربما يتجاوز نصف هذا الرقم
الذي تم نشره.
باستثناء
دول الخليج العربي لا توجد مؤشرات على اهتمام بالانتخابات لدى المصريين في العواصم
الغربية وآسيا، وذلك يعود ـ بطبيعة الحال ـ إلى ضعف المنافسة، وإدراك كثيرين أن
النتيجة محسومة ولا مفاجأة فيها، كما أن الثقافة السياسية للمصريين الذين يعايشون
التجارب الديمقراطية الغربية تحتاج لما هو أبعد من الصخب الإعلامي والأغاني
الوطنية لتنشيط إيجابيتها، إضافة إلى أنه على صعيد الإعلام الدولي يلاحظ حالة من
الزهد في متابعة تلك الانتخابات والاهتمام بها، وأعتقد أن الأمر يعود للسبب نفسه،
كما أن الكثير من الإعلام الغربي صدرت عنه تقارير شديدة السلبية عن الانتخابات
الحالية، وهو ما قامت بالرد عليه الجهات الرسمية المصرية ببيانات رسمية.
الزخم
الإعلامي الرسمي والموالي ربما يعطي نتائج سلبية عند الرأي العام، وخاصة أن بعضه
يتسم بالعصبية والتشنج الحقيقي، وهو أمر غير مفهوم، في ظل غياب أن منافسة حقيقية
أو تحدي لفرص فوز الرئيس السيسي، كما أن كثيرا من التغطية تمتطي لغة التحدي
والعناد والغضب، ولا يفهم لمن هذا العناد والتحدي، فربما كان موجها إلى الأصوات
المعارضة في الداخل، وربما إلى الجهات الغربية التي شككت في جدية الانتخابات،
وقطاع من هذا الإعلام الرسمي والموالي انشغل بتحدي مع دولة قطر، وهو أمر مفرط جدا
في غرائبيته، وهو مهين أيضا لمصر نفسها دولة ومكانة وحجما، مع احترامنا لجميع
الأشقاء العرب، وربما كان هذا السلوك الإعلامي العابث والمضطرب ناتجا عن إفراط
بعضهم في التزلف للسلطة أو إثبات الولاء الكامل، ولكنه في النهاية سيكون ضارا
بالسلطة وبصورة الانتخابات نفسها.
في
الداخل، والشارع وهموم الناس، تقريبا لا تجد أدنى اهتمام بالانتخابات، ورغم
اللوحات الدعائية الكثيفة والسحابة الإعلامية الواسعة والملحة على مدار الساعة،
إلا أن الناس انشغلت بقضية رياضية مثل أزمة اللاعب عبد الله السعيد أكثر مما
انشغلت بالانتخابات، وعندما تقارن ما يحدث الآن بما حدث في انتخابات 2012، فستدرك
الفارق بوضوح كاف، حيث كنت وقتها لا تجد مجلسا ولا مقهى ولا مواصلة عامة ولا جلسة
عائلية ولا يجتمع اثنان، إلا والجدل مشتبك فيها حول المرشحين ومن صاحب الفرصة ومن
صاحب الأفضلية ومن الذي تبحث عنه مصر ويناسبها الآن، وعندما عرضت مناظرة بين بعض
المرشحين كانت الشوارع تقريبا تبدو فارغة من المارة، والملايين يتسمرون أمام
الشاشات يتابعونها، وعندما انعقدت لجنة الانتخابات لإعلان النتيجة كانت عواصم
العرب من المحيط إلى الخليج تتسمر أمام الفضائيات بتوتر ولهفة شديدة انتظارا للحظة
إعلان النتيجة، وكأنها تجري في عواصم بلادهم وليست في القاهرة، وهو مشهد لم يسبق
له مثيل في تاريخ العرب تقريبا.
انتخابات
الخارج ليست حاسمة في النتائج النهائية بطبيعة الحال، ولكنها ستعطي مؤشرا على حجم
الاستجابة والتفاعل، وأعتقد أن الصناديق إذا خيبت الظنون في عدد أصواتها فستمثل
ضغطا عصبيا زائدا على أصحاب القرار في الداخل، تحسبا من أن تنعكس على انتخابات
الداخل الحاسمة.
المصريون المصرية