قضايا وآراء

انفجار غزة.. استهدافٌ لوطن

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600

في حُلكة الانقسام والوضع الفلسطيني البائس، شاهدنا انفجار غزة الذي استهدف موكب رئيس الوزراء الحمدالله (13/3)، وتابعنا بانوراما التصريحات التي أُعلنت عقب الانفجار مباشرة، وعبّر عنها أكثر من مصدر رسمي مسؤول، وفي مقدمتها الرئاسة الفلسطينية التي حمّلت "حماس" المسؤولية مباشرة، حيث أكد الرئيس عباس "أن هذه الجريمة مخطط لها ومعروفة الأهداف والمنفذين، وتنسجم مع كل المحاولات للتهرب من تمكين الحكومة من ممارسة عملها في قطاع غزة، وإفشال المصالحة، وتلتقي مع الأهداف المشبوهة لتدمير المشروع الوطني بعزل غزة عن الضفة الغربية، لإقامة دولة مشبوهة في القطاع".


كان لافتاً سرعة توجيه تلك الاتهامات لحركة "حماس"، ما أثار حفيظة المنطق الذي يبدو أنه أبعد ما يكون عن سياقات العمل السياسي أو الدبلوماسي في وقتنا الحاضر؛ فقد كان الأجدى برجالات السلطة العتيدة الانتظار ولو لعدة أيام، حتى تتجلى معالم الحدث، أو حتى يصبح هناك مبرر زمني معقول لإطلاق تلك الاتهامات التي أقل ما يُقال عنها أنها سياسية بعيدة كل البعد عن القانون أو مجريات العدالة.


فالعاقل يُدرك أن المتضرر المباشر لهذا الفعل هو حركة "حماس" التي نجحت نسبياً في إحراج حركة "فتح" والرئيس عباس عبر تنازلها عن أغلب السلطات والصلاحيات بهدف فك الحصار عن قطاع غزة، وبهدف إنجاح المصالحة الوطنية كمدخل لإعادة بناء البيت الفلسطيني عبر إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديموقراطية وسياسية استناداً لوثيقة الوفاق الوطني.


كما أن الاضطراب الأمني أو استهداف رئيس الوزراء الحمدالله، يعني توقفاًلمسار المصالحة الوطنية المتعثر، ومبرراً لهروب حركة "فتح" من استحقاقات المصالحة بذريعة أن حركة "حماس"ليست شريكاً وطنياً يوثق به، وهو الأمر الذي لا ترغب به "حماس" ولا يخدمها، لأن ترجمته ستعني مزيداً من الحصار والمعاناة للمدنيين، وتفاقماً للضغوط عليها وعلى المقاومة الفلسطينيةلدفعها للقبول بشروط الرئيس عباس بتسليم أمن غزة وسلاح المقاومة لسلطة أوسلو إمّا بشكل مباشر أو عبر دمج كتائب القسام في الأمن الوطني الفلسطيني، تمهيداً لعبور صفقة القرن أو لاستئناف قطار التسوية السياسية التي حطّمت كل المقدسات الوطنية.


إن تسارع مواقف قيادات حركة "فتح" وسلطة أوسلو عقب الانفجار مباشرة، كشف النوايا وفضحتوجهات الرئيس عباس برفضه المصالحة على قاعدة الشراكة الوطنية؛ فالمطلوب إما أن ترفع "حماس" والمقاومة الفلسطينية الراية البيضاء أو أن يتصاعد الحصار، وما عدا ذلك فهو مجرد تكتيكات سياسية وذراً للرماد في العيون. وهذا الأمر يرتبط بشكل أو بآخر باستحقاقات مسار التسوية السياسية التي ما زالت تشكل خياراً يتيماً للرئيس عباس ولحركة "فتح" التي تسعى لتقديم نفسها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولن يكون ذلك إلا بِلَيْ ذراع المقاومة الفلسطينية التي تمثل الحصن الأخير في مواجهة صفقة القرن وسياسات التهويد والتطبيع.


إن مواقف الرئيس عباس وسياسات سلطة أوسلو، أوضحت أن الانفجار الذي حدث في غزة، لم يكن ليستهدف موكب رئيس الوزراء الحمدالله، وإنما استهدف الحالة الوطنية برمّتها عبر إدامة الانقسام والحصار، ما يُعدّ جريمة وطنية تستدعي إعادة النظر في استراتيجيات وآليات العلاقات السياسية الداخلية، وفقاً لميزان دقيق وواضح يعتمد الحقوق والثوابت الوطنية معياراً للقياس.

 

0
التعليقات (0)