هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خضم الاحتجاجات التي تعرفها الأردن بسبب السياسات الحكومية الاقتصادية، لاحظت قوى وفعاليات شعبية وسياسية غياب الحركة الإسلامية عن الشارع والحراك المناهض لهذه القرارات الحكومية، بعد أن كانت في السابق العمود الفقري للمسيرات التي عمت المملكة إبان الربيع العربي في عام 2011، ما طرح عدة أسئلة عن أسباب هذا الغياب.
وتشهد المملكة منذ بداية العام الحالي، فعاليات شعبية احتجاجية محدودة في مدن أردنية شكل عصبها عشائر ومجموعة ناشطين في مدن الكرك، والسلط، وذيبان، والزرقاء التي انضمت مؤخرا من خلال "حراك عشائر بني حسن"؛ احتجاجا على القرارات الاقتصادية التي فرضتها حكومة رئيس الوزراء، هاني الملقي، في موازنة 2018 وشملت رفع أسعار 164 سلعة أساسية، إلى جانب رفع الدعم عن مادة الخبز، ورفع أسعار المشتقات النفطية وتعرفة الكهرباء.
الإسلاميون الذين دفعوا فاتورة الحراك في الربيع العربي -من خلال التضييق، وإغلاق المقرات، واعتقال قيادات، وشرخ الصف- غيروا من استراتيجيتهم في مواجهة القرارات الحكومية، إلى لغة أكثر نعومة بعدما شاركوا في الانتخابات النيابية الأخيرة، وحصدهم 15 مقعدا في البرلمان تحت تحالف أطلقوا عليه "التحالف الوطني للإصلاح".
الإسلاميون: استخدمنا أدوات مختلفة
الناطق الإعلامي باسم حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان) المهندس مراد العضايلة، يرى أنه "بات للحركة أدواتها السياسية في مواجهة القرارات الحكومية الاقتصادية منها ما قامت به كتلة الإصلاح النيابية التي تمثل الحركة الإسلامية من طرح الثقة بالحكومة، لكن هذا لم يمنع من المشاركة في بعض الفعاليات، ولم تغب عن الشارع، لكنها استخدمت أدوات مختلفة، فالشارع اليوم يدرك أن للحركة الإسلامية كتلة ويجب أن يكون أداؤها من خلال النواب".
معتبرا في حديث لـ"عربي21" أن "تنويع الأدوات في مواجهة القرارات الحكومية لا يعني أن موقف الحركة الإسلامية مغيب في الشارع".
وحول وجود صفقة أو هدنة مع الحكومة، يقول العضايلة، إن "الحركة الإسلامية تقوم بالعمل الوطني دون النظر في المكاسب التي قد تعود إليها، لكن هنالك نظرة إلى العمل الوطني والظرف السياسي الذي تعيشه البلاد، إلى جانب أن الأردن يعيش حالة من الحصار السياسي والاقتصادي من حلفائه في محاولة لإخضاع الموقف السياسي الأردني خصوصا في موضوع القدس، وبالتالي نحن لا نريد إضافة ضغوط سياسية على الأردن تجعله يخضع لهذه الضغوط التي تريد أن تعبث بأمن الوطن".
وتقدمت كتلة الإصلاح النيابية بمذكرة طرح الثقة بحكومة الملقي الشهر الماضي كرد على رفع الأسعار، إلا أن التصويت على المذكرة منح مجلس النواب الأردني الثقة للحكومة بواقع (67) صوتا، وحجب (47) نائباً وامتنع عن التصويت، مما فاقم فجوة الثقة بين الشارع والبرلمان، وأجج مطالب إسقاط الحكومة والمجلس معا.
وحسب ناشطين في الحركات الاحتجاجية، من المتوقع أن تتسع رقعة الاحتجاجات المناهضة للسياسات الحكومية الاقتصادية لتشمل مدينتي الطفيلة ومعان، إحدى أكبر مدن الجنوب الأردني.
الناشط في حراك مدينة الكرك (جنوب العاصمة)، باسل البشابشة، يؤكد لـ"عربي21" على "غياب الحركة الإسلامية في الشارع المناهض للسياسات الحكومية الاقتصادية"، مفسرا ذلك "باختلاف المزاج والظروف الدولية عن ما هو عليه في عام 2011، والتي كانت تقتضي مشاركة الإسلاميين بهدف الوصول إلى السلطة".
وانتقد البشابشة، في ذات الوقت، أداء كتلة الإصلاح في البرلمان، واتهمها "بتمرير موازنة 2018 التي تضمنت فرضا للرسوم والضرائب، من خلال مقاطعة الكتلة لجلسات التصويت على الموازنة".
وكانت الكتلة علقت حضور جلسات مناقشة موازنة 2018، وقال حينها رئيس كتلة الاصلاح، عبد الله العكايلة، في حوار خاص مع "عربي21"، إن "الكتلة اتفقت مع الموقعين على المذكرة أن لا ندخل جلسات مناقشة الموازنة حتى تعود الحكومة عن هذا القرار، لكن للأسف فوجئنا بأن زملاءنا الذين وقعوا معنا دخلوا بينما بقينا مع عدد محدود جدا من النواب خارج القاعة، ولو التزم زملاؤنا معنا لما استطاعت الحكومة تمرير مشروع الموازنة".
اقرأ أيضا: العكايلة: لمسنا تحركا من أشقائنا لعزل الدور الأردني في القدس
وصاغت فترة الربيع العربي شكل العلاقة المستقبلية بين النظام الأردني وبين جماعة الإخوان المسلمين، فبعد تعذُّر إزهار الربيع العربي في عمان؛ بدأ النظام الأردني هجمة مضادة على الجماعة، تمثلت في سحب الغطاء القانوني للجماعة، والتضييق على فعالياتها، وسجن بعض قيادييها، ومنح ترخيص لمنشقين عن الإخوان، وإغلاق مقرات الجماعة الأم، تحت حجة عدم الترخيص.
اقرأ أيضا: إخوان الأردن والنظام.. كيف أضحى حلفاء الأمس أعداء اليوم؟
وفي هذا السياق، يقرأ المحلل السياسي، عمر كلاب، عدم مشاركة الحركة الإسلامية بكل ثقلها في الاحتجاجات الشعبية الرافضة لرفع الأسعار بأنها تأتي في محاولة من الحركة الإسلامية لاسترداد العلاقة التاريخية مع النظام الأردني، وعقد صفقة سياسية.
وفي تصريح لـ"عربي21"، قال كلاب، لقد "تفاقمت أزمة العلاقة بين الإخوان والدولة بعد الربيع العربي الذي انتهى بنهاية كربلائية لجماعة الإخوان المسلمين، إذ لم تستطع المحافظة على الحكم في الدول التي وصلت فيها. ولم تستطع تحسين شروط التفاوض مع الأنظمة التي طرحت بها فكرة الشراكة السياسية. ويبدو أن الإخوان في الأردن يحاولون استرداد الثقة والعلاقة التاريخية مع النظام الأردني من خلال عدم المشاركة في الحركات الشعبية".
ويعتقد المحلل السياسي أن الإخوان "بصدد عقد صفقة سياسية من خلال استرداد ترخيص مكاتب الجماعة التي أغلقت، والسماح للجماعة التاريخية بالعمل، ومنح الحزب صلاحيات أوسع".
وتابع: "ومن الملفت أن الإسلاميين قدموا رسائل للنظام مثل المسيرة الشعبية التي قادها رئيس بلدية الزرقاء عضو الجماعة علي أبو السكر في عيد ميلاد الملك، حيث تحاول جماعة الإخوان تقديم رسائل من خلال إبراز نماذج سياسية راشدة تعطي النظام الاطمئنان".
ولا تخفي جماعة الإخوان المسلمين محاولاتها لترطيب الأجواء مع النظام الأردني، من خلال كتلة الاصلاح النيابية التي قال رئيسها لـ"عربي21" إنه حاول مرارا مع الملك عبد الله بن الحسين، أكثر من مرة، للدفع باتجاه المصالحة وتقريب العلاقة بشكل أفضل بين الحركة الإسلامية ومؤسسات النظام، لكن دون أن يلمس أي تجاوب من النظام.