قضايا وآراء

دولة غزة المستقلة وعاصمتها سيناء

محمد أمين
1300x600
1300x600

النكبة الثانية، هكذا باتت توصف ما تسمى "صفقة القرن"، فكما هو معلوم فإن الطبخة المسمومة التي طهيت في تل أبيب، تم" تبهيرها" في واشنطن، فيما تكفل للأسف قادة عرب بتجريعها سما للشعب الفلسطيني.


وبمقارنة تاريخية بين النكبتين، يتبين جليا تشابه الظروف الدولية التي رافقت نكبة الفلسطينيين عام 1948م، مع هذه التي تصاحب صفقة القرن الحالية، إذ تآمر الصهاينة في الأولى مع بريطانيا العظمى لتأسيس كيانهم على أنقاض الشعب الفلسطيني عقب اقتلاعه من أرضه وتهجيره، وسط الانشغال الدولي آنذاك بتقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة، وتردي حال العرب، وخذلانهم للمقاومة الفلسطينية من أجل كراسيهم، واليوم يتآمر الصهاينة مع الولايات المتحدة الأمريكية بديلا عن بريطانيا العظمي لاستكمال تصفية القضية الفلسطينية وبمباركة وتواطؤ عربي، ففي الوقت الذي تتغير الخارطة الجغرافية والسياسية في العالم العربي، تنهار دول، وتولد أخرى، باتت أكبر عاصمتين عربيتين تشاطران دولة الاحتلال رؤيتها لتصفية القضية الفلسطينية، والقبول بالرواية الإسرائيلية ،ثمنا للبقاء في كرسي الحكم، أو طمعا في الارتقاء سريعا إليه.

 

ولعله بات واضحا للعيان عقب جملة من الخطوات والمقاربات للقاهرة والرياض السعي السعودي المصري الحثيث في سبيل إقرار وفرض صفقة القرن، فمصريا يرى عبد الفتاح السيسي أن عبوره لولاية ثانية مرهون باستكمال تنفيذ الأجندة الأمريكية الصهيونية التي بموجبها ينبغي عليه التنازل عن سيناء من أجل إقامة "دولة غزة المستقلة وعاصمتها سيناء"، وهو في مسعاه للبقاء في الكرسي  يبدو جاهزا لتقديم هذا الاستحقاق، خاصة أن له سابقة بالتنازل عن أراض مصرية بمنحه تيران وصنافير للعربية السعودية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشرعية الوحيدة التي بنى عليها السيسي نظامه منذ اليوم الأول للانقلاب هي شرعية الخارج، والارتهان لإملاءاته، فالرجل جاء بانقلاب عسكري، ولم يؤمن يوما ولن يؤمن بطبيعة الحال بانتخابات ديمقراطية، فمن ينقلب على نظام ديمقراطي بالضرورة يكون مرتهنا لأجندات خارجية، هكذا تقول كل تجارب الانقلابات العسكرية، عربية أو لاتينية، ولذا فهو في عامه الخامس في الحكم لا يشعر بالاطمئنان رغم إجهازه على خصومه السياسيين وإيداعهم السجون، ذلك لأن رعب مغادرة الكرسي يعني لمن يقود انقلابا عسكريا حبل المشنقة، وهو كابوس يدفعه للإجهاز على أي منافس محتمل، لذا انقض على سامي عنان وأودعه السجن، كما حاكم وسجن كل من فكر في الترشح أمامه، وجرم القوى المدنية التي أعلنت مقاطعة الانتخابات مكتفيا بتكليف أحد مناصريه ليخوض دور الكومبارس، في انتخابات أثارت سخرية ، وقزمت مصر المحروسة بشكل غير مسبوق.


أما سعوديا، فيبدو أن ولي العهد السعودي الشاب وفي طريقه للوصول إلى العرش، ماض في الوفاء بما تعهد به لترمب، باستعمال المال لفرض شكل التسوية الذي تريده واشنطن، صحيح أن الموقف السعودي المعلن هو رفض القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، لكن الصحيح أيضا أن القيادة السعودية غابت عن قمة إسطنبول التي خصصت لمواجهة اعتراف ترمب، وسربت تقارير تشير لضغوطات مارستها الرياض والقاهرة على عمان ورام الله لثنيهم عن المشاركة في قمة إسطنبول، والضغط عليهما لقبول صفقة القرن بكل استحقاقاتها الأمريكية الإسرائيلية، ما يعكس حجم التماهي مع الرؤية الترامبية لتصفية القضية الفلسطينية.


إزاء هذا الوضع الإقليمي والعربي البائس، وخروج العراق وسوريا من معادلة الفعل العربي، فإن الفلسطينيين اليوم مدعوون بشكل ملح للاصطفاف الوطني، وصياغة مقاربة حقيقية لمواجهة هذه المخاطر مجتمعة، من الاحتلال ومضيه قدما في الاستيطان والتهويد، إلى الوقوف في وجه هذه الصفقة المدعومة للأسف من كبرى العواصم العربية، وينبغي الحديث عن هذه السياسة العربية الخاطئة بكل صراحة ووضوح وليس بالرموز كما يحلو للرئيس الفلسطيني أن يفعل في خطاباته، كما  يجب الحديث عن خطورة هذا المشروع، وتحذير الأشقاء العرب من مغبة الاستمرار فيه ليس فقط لأنه تفريط في الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين ومقدساتها، وخطيئة تاريخية لن تغفرها الأجيال، بل لأن هذا المشروع لا يمكن له أن يكلل بالنجاح، وسيدفع المنطقة وليس الإقليم فقط للانفجار، ويقدم خدمة مجانية لقوى التطرف والإرهاب للعودة مرة أخرى للواجهة، فالإحباط واليأس والانسداد السياسي هو أسهل وصفة للانفجار، ومن جهة أخرى فإن التجارب التاريخية  تثبت فشل وخسران من سار عكس الروح الوطنية العربية ، وفي القلب منها فلسطين وقضيتها، فالسادات عراب صفقة القرن الأولى "كامب ديفيد" انتهى نهاية دموية، والشهيد ياسر عرفات الذي وقع صفقة القرن الثانية " أوسلو"، انتهى محاصرا ثم اغتيل، فهل يتعظ عرابو صفقة القرن "3".


على الرئيس عباس أن يدرك أن واشنطن ماضية في مشروعها غير مكترثة بخطاب الاسترحام الذي قدمه في الأمم المتحدة، وكما يقال إن التاريخ يعيد نفسه، ويبدو أن واشنطن وتل أبيب وصلتا لقناعة بانتهاء دور أبو مازن، وأنهما رفقة دول عربية أخرى يحضرون لها سيناريو شبيه بسيناريو أبو عمار.


فلسطينيا، ينبغي فك الارتباط مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني معه، والمضي فورا في عقد مجلس وطني فلسطيني في الخارج للإعلان عن خارطة طريق فلسطينية لما بعد أوسلو، مدعومة بعصيان مدني ومقاومة شعبية فلسطينية للاحتلال وممارساته، مع سحب اعتراف المنظمة بالاحتلال الإسرائيلي، لأنه نقض كل بنود أوسلو التي اشترطت مقابل هذا الاعتراف إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، كما ينبغي إضافة لذلك تنظيم  حملة واسعة للمطالبة بإنهاء سياسة الفصل والتمييز العنصري ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي، ووضع الاحتلال أمام مسؤولياته والمطالبة بمعاقبته وعزله، بدلا من إضاعة الوقت في الهرولة خلف الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية وهو الأمر الذي لن يضيف جديدا لأنه متحقق عمليا حتى لو يكن  مقرا به صراحة.

 

هذا الصمود الفلسطيني حتى ينجح، يحتاج للوحدة الوطنية أولا، وثانيا إيجاد بديل عربي وإسلامي عن المال والدور الأمريكيين، ويحتاج قبل ذلك وبعده لعزيمة وإرادة وطنية فلسطينية.


0
التعليقات (0)

خبر عاجل