هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أجهد قائد الانقلاب بمصر نفسه طوال ثلاثة أيام كاملة، جمعته بحوارييه، بمؤتمر "حكاية وطن" أرادها مختصرة في شخصه ومعبرة عن "إنجازات" لم ير منها المصريون الكثير باعترافه ربما خوفا من "أهل الشر" كما دأب على التبرير.
انتهت حكاية الوطن بالتأشير على نسخة مكررة ستستمر أربع سنوات كاملة، أو ما شاء لها الله أن تستمر، في ظل قيادة عبد الفتاح السيسي الذي أعلن، ودون مواربة، أنه لن يسمح لأحد من "الفاسدين" من الاقتراب من كرسي الرئاسة، وكذلك كان. حكاية وطن لم تكن إلا معادلا لحكاية فشل عاشت المنطقة فصولها طوال السنوات الأخيرة ولا تزال.
ما كان أكبر المتشائمين في صف الحراك الشعبي الذي اجتاح عددا من دول المنطقة العربية قبل سبع سنوات، ولا أكثر المتفائلين من جهة السلطة يعتقدون أن المآل النهائي بعد تلك السنوات سيكون بمشهد سياسي واجتماعي محلي واقليمي بالسوء الذي نعيشه اليوم.
لكن الواقع أفضل معبر عن حكاية فشل ذريع أصاب روزنامة الآمال والطموحات المعلنة مقابل انتعاش وتمكين غير مسبوقين لخطط معسكر السلطة عسكرا وشرطة وطبقات منتفعة وجدت نفسها، فجأة، مرفوعة على الاكتاف باعتبارها المنقذ من ضلال كانت هي الممثل الشرعي له على طول العقود الماضية.
لابد إذا من الاعتراف أن ما يسمى معسكر "الثورة" فشل في تكريس نفسه بديلا بل إنه كان سببا رئيسيا في عودة الاستبداد أقوى مما كان عليه.
بدأت حكاية الفشل..
في فيلم (ابراهيم الأبيض - 2009) للمخرج مروان حامد، يجلس ابراهيم الأبيض وصديقه عشري على ناصية مقهى.
الوضع العام في المنطقة مريب ويشي بقادم مجهول. فهم ابراهيم الأبيض ما يحاك ضده متأخرا، فالتفت إلى صاحبه مستفسرا..
ابراهيم الأبيض: بعتني بكام يا صاحبي؟ (يسقط كأس الشاي من يد عشري) خمس بواكي؟ (متذكرا خمسة آلاف جنيه رآه في غرفة صاحبه).. بس؟ تصدق حأزعل منك يا عشري.. مش شوية؟ خمس بواكي شوية على ابراهيم الأبيض يا عشري.
وانطلقت فصول المجزرة التي كان الهدف منها قتل ابراهيم الأبيض وتأديبه أمام الناس حتى يتعظ كل من سولت له نفسه الخروج عن طوع زرزور.
الثقة تكتسب ولا تعطى، وعندما تسلم نفسك للخصم فلا تلمه إن هو أوغل في التنكيل بك أو القضاء عليك.
النتيجة أن توالت الخيبات وتراكمت الأخطاء قبل أن يستيقظ الجميع على أشلاء وطن ممزق لملم الجيش بعض أطرافه قبل أن ينقض على الفريسة يقطعها إربا إربا.
تمكنت "الثورة المضادة" من تحييد جميع الخصوم اتهاما بالإرهاب أو العمالة، قتلا وإخفاء أوسجنا ونفيا خارج الديار،عزلا وإقالة أوتهديدا بالفضائح لا فرق في ذلك بين معارض جذري أو إصلاحي أو تابع من داخل المنظومة يحمل رأيا مخالفا.
الثقة تكتسب ولا تعطى، وعندما تسلم نفسك للخصم فلا تلمه إن هو أوغل في التنكيل بك أو القضاء عليك.
في عالم عربي تحفه الفوضى والخصاص في العام 2033، تدور أحداث فيلم (المختارون – 2016) للمخرج الإماراتي علي مصطفى.
يحتمي الأب شعيب وأبناؤه وآخرون في مجمع معزول يحميهم من هجمات "الأعداء". ومع توالي الأحداث يلتحق بهم موسى وصديقته غولبين.
شعيب هو الزعيم والسلاح والماء مخزنان بأمره. يطلب شعيب من موسى أن يسلمه سلاحه (السكين) كما فعل بقية الأفراد. يبدي الأخير تمنعا في حديث اختلط فيه الجد بالهزل قبل أن يستجيب.
موسى: هاي السكين أغلى شيء على قلبي.
يمد شعيب يده لأخذ السكين فيبادره موسى بطعنة غادرة ترديه قتيلا.
موسى: الثقة يا شعيب ما بتنعطى.. الثقة تكتسب.. أنا صرت أعرف وين أكلكم ووين شربكم ووين سلاحكم. والآن الوداع أيها القائد (ثم يبدأ بالصراخ) أنا الألف والياء.. البداية والنهاية.. إجا الوقت حتى نفرق بين القوي والضعيف.. بين المختارين من الخايبين.
في مصر، يواصل السيسي زحفه على البلد دون منازع، بعد أن حاز "ثقة" شعب و"نخبة" فوضت له أمر محاربة إرهاب محتمل صار في عهده طقسا يوميا، معلنا أنه الألف والياء والبدء والمنتهى وقدر إلهي على المصريين أن يقبلوا به طوعا أو كرها.
قائد الانقلاب أصبح متصرفا في البلد بطريقة عبد الملك زرزور في فيلم (ابراهيم الأبيض - 2009) للمخرج مروان حامد فهو الخصم والحكم في الآن.
لأجل ذلك لا يتوانى عن استعمال أقصى درجات القهر السياسي في مواجهة المنافسين له على الكرسي ولو كانوا من نفس المؤسسة العسكرية "خير أجناد الأرض".
فرعون كان يقتل المواليد الجدد عملا بتفسيرات رؤيا جاءته في المنام وأفزعته. أما في مصر "الحديثة" فبارانويا إسقاط الدولة (التي يختصرها السيسي في ذاته) صارت درسا يوميا في الإعلام ترسخ في أذهان المواطنين "الشرفاء" والسيسي أولهم على ما يبدو.
النتيجة أن كثيرا من أركان النظام في الجيش والمخابرات العامة وبقية المؤسسات تتساقط الواحدة تلو الأخرى. أما من سولت له نفسه الخروج عن النص المرسوم بدعم إقليمي ودولي فمصيره لن يكون أفضل من شفيق أو عنان على خطى رئيس مدني منتخب لا يزال في الأسر نتيجة خيانة موسى الزمن الحاضر لشعيب الذي فتح له الأبواب مشرعة وعينه وزيرا للدفاع.
قائد الانقلاب أصبح متصرفا في البلد بطريقة عبد الملك زرزور في فيلم (ابراهيم الأبيض - 2009) للمخرج مروان حامد فهو الخصم والحكم في الآن.
عبد الملك زرزور: أخد الحق صنعة بس ايه؟ بالأصول. وانت دخلة السيما بتاعتك ده لا مؤاخذة يعني لا أنا شايف فيها صنعة ولا هوبت من الأصول. ده دخلتذة إنك ميت وإنهم ميتون..... انت دكر صحيح.. قلب ميت لكن أخضر. أنا بتوصلني أخبارك.. الجرأة حلوة مفيش كلام بس زي ما سيد شيبة الله يرحمه ما كان بيقول يا روح ما بعدك روح.. يا ما راح زيك وأصغر منك كمان.. كانوا عاملين مية راجل في بعض..
عبد الفتاح السيسي لا يختلف في شيء عن "فلسفة" عبد الملك زرزور، منذ ظهوره على الساحة لاعبا مؤثرا في السر كما العلن.
زرزور: (معللا سبب تسامحه المرحلي مع ابراهيم الأبيض) لو فيه نخلة فارعة في حوش بيتك.. جذورها مدت وحيجيلها يوم تضايقك تقطعها على طول ولا تستنى بلحها الأول وبعدين تقطعها.
السر كله في كلمات عبد الملك زرزور. لكن ما يحضر للمنطقة يجعل من "شطحات" السيسي مجرد قنابل دخانية تخفي، على ما يبدو، مشاريع أضخم وأهم.
في المشاهد الأخيرة من فيلم (المختارون – 2016) للمخرج الإماراتي علي مصطفى، يتواجه موسى الشرير بعيسى (ابن شعيب) في وضعية توازن رعب بعد أن علق اخته بوضعية إعدام لا مجال لإنقاذها إلا بمقتله هو.
موسى: انت الوحيد ايلي تقدر تنقذها يا عيسى.
عيسى: شو بدك مني؟
موسى: بدياك تنس الدنيا القديمة.. القوانين ايلي حطوها مجموعة من البشر ليقودوا ملايين بأتفه وأبشع الطرق.. بدياك تشوف الفوضى.. الفوضى أكبر نعمة في تاريخ البشرية.
ضحت الأخت بنفسها لإنقاذ أخيها من الموت. كل من في المعسكرقتلوا إلا غولبين التي ظلت بكماء سلبية طوال الفيلم. يسألها عيسى عن صديقه قيس.
تشير له برأسها أن ينظر إلى أسفل حيث قيس ممدد ميتا.
غولبين : كان جندي شاطر بس مهمته خلصت.. ذكي بس مش قائد.. ما يلزمناش تابعين.. تستاهل انك تعيش أكثر من أي حد.. المفروض موسى يخرب وأنا أراقب مين المصلح؟ مين القائد؟ وايلي بيسيطر على الوضع بينضم لنا. على فكرة، مش كتار ايلي نجحوا بس أملي فيك كان كبير وما خيبت ظني.. نجحت بالاختبار.
عيسى: بعد ما انقتلوا أهلي..
غولبين : لأنهم كانوا ضعاف بس هلا انت الخيار بايدك. بس اتركك يا بتقتلني يا بتلحقني. كلنا بالمدينة.. تعال تتعرف ع الباقيين.. بلكي صلحنا الدنيا مع بعض.
هؤلاء هم "شعب الله المختار".