هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا، تندد فيه بما أسمته التدخل
التركي في شمال سوريا، خاصة في عملية تطهير مدينة "عفرين" من التنظيمات
الماركسية الكردية المسلحة، وهي التي أطلق عليها اسم عملية "غصن
الزيتون"، ويقوم بها الجيش السوري الحر بدعم القوات التركية، واعتبرت الخارجية
المصرية أن هذه العملية تمثل انتهاكا للسيادة السورية، والبيان بهذه الطريقة، وفي
هذا التوقيت، وعن تلك المنطقة، هو أقرب للنكتة، التي كان دافعها الخصومة والعناد
بين تركيا ومصر، وليس أي سبب منطقي آخر.
مدينة
عفرين هي مدينة محتلة من عصابات إرهابية انفصالية مسلحة، قامت باقتحامها والسيطرة
عليها بقوة السلاح قبل عدة أعوام، وأقامت فيها ما يشبه الإمارة الصغيرة، ومحاكم
خاصة وسجون ومعتقلات وحواجز وشروط للدخول والخروج من المنطقة، فأين ومتى رأت
الخارجية المصرية السيادة السورية ترفرف على عفرين ؟ وإذا كانت مصر تعلن وتؤكد
رفضها للأعمال الإرهابية والخروج المسلح على الحكومات، فبأي منطق أو مسئولية
سياسية تدافع عن تنظيم إرهابي مسلح، لديه دبابات ومدفعية وصواريخ وآلاف المقاتلين
وينسق أعماله مباشرة مع الجيش الأمريكي وينتزع أراضي بالقوة ويهدد دول الجوار، بل
ويقصف مدنا تركية بالصواريخ فيقتل ويصيب العشرات، منذ متى ومصر تدافع عن مثل هذه
التنظيمات، وهل تقبل مصر نفسها أن يقوم على حدودها ميليشيا إرهابية مثل هذه تقوم
بتهديد حدودها وقصف مدنها والشعب المصري بالصواريخ وتظل صامتة وتقول أنها لا تتدخل
في سيادة الدول المجاورة.
والسيادة
التي تتحدث عنها الخارجية المصرية لا يراها أحد تقريبا سوى هي وإعلام بشار الأسد،
لأن العالم كله يرى سوريا مستباحة بالكامل، أرضا وبحرا وسماء، ويدير مناطقها
المختلفة عشرات من الميليشيات والمنظمات الأجنبية المسلحة مثل حزب الله اللبناني
وعصائب أهل الحق العراقية وميليشيا الهزارة الشيعية الأفغانية والحرس الثوري
الإيراني، ناهيك عن السيطرة الأمريكية والروسية على مناطق واسعة من شرق البلاد
وغربها وسواحلها وشمالها وجنوبها، وكثير من معابر الحدود تحت سيطرة أجنبية ولا
يعرف نظام بشار عنها شيئا، بل إن بشار الأسد نفسه الذي يعمل باسم رئيس جمهورية لا
يستطيع أن يركب طائرة إلا بإذن من صاحب السيادة في سوريا، قائد قاعدة حميميم
الروسية ـ ولا يستطيع أن يخرج من سوريا أو يدخل إليها إلا في طائرات روسية وبأوامر
روسية وحماية روسية، فعن أي سيادة تتحدث الخارجية المصرية.
وأين
كانت الخارجية المصرية وبكاؤها على السيادة في سوريا وميليشيات حزب الله اللبناني
والحرس الثوري الإيراني يجتاحان المدن السورية ويسيطرون عليها ويقتلون سكانها أو
يعتقلونهم أو يهجرونهم ويشردون ملايين السوريين في بلاد الله بما فيها مصر، هل
السيادة خدشت فقط عندما تحرك الأتراك لدعم الجيش السوري الحر، الممثل الشرعي
للثورة السورية باعتراف العالم وعواصمه الكبرى والرئيسية، إن المعركة تدور الآن
بين قوى الثورة السورية وبين تنظيم انفصالي كردي ماركسي اختطف عدة مدن وعاث فيها فسادا،
وراهن عليه الأمريكان لكي يوجدوا دويلة كردية في شرق سوريا وشمالها، وهو ما
اعتبرته تركيا تهديدا لأمنها القومي، وهذا حقها، بغض النظر عن الخلاف معها، بل إن
التحرك التركي في جوهره هو الذي حمى سيادة سوريا من خطر الانقسام والانفصال.
مع
الأسف، موقف مصر من المأساة السورية مشين، وسيذكره التاريخ في أسوأ صفحاته، وما
كان يليق بمصر ومكانتها ومسئولياتها التاريخية في العالم العربي أن تبيع الشعب
السوري رهانا على طاغية مجرم دمر بلاده ومزقها وهدم بيوتها ومساجدها وكنائسها
ومستشفياتها ومدارسها وقتل النساء والأطفال وشرد عشرة ملايين سوري في أنحاء
العالم، وفتح بلاده مستباحة لعصابات إجرامية من كل مكان لكي يحموا عرشه المهترئ
والذي ورثه عن أبيه الطاغية رغم إرادة شعب سوريا وبقهره وقمعه.
آن
لمصر أن تراجع مسئولياتها تجاه الشعب السوري وآماله، وأن تصحح موقفها من الأزمة
السورية، وأن تراهن على الشعوب، فهي المستقبل، وليس نظاما سيزول حتما، والعالم كله
يعرف أنه زائل، وما بقاؤه إلا ريثما يتم ترتيب الوضع البديل.
المصريون المصرية