هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا نعرف حتى الآن سببا مقنعا يدفع البعض كلّما وقعت أحداث مؤسفة أو
احتجاجات أو "شبه ثورات" في تونس، ليطلّوا برؤوسهم عبر المنابر
والشاشات، مرددين بلغة لا تخلو من الشماتة: "انظروا ماذا فعلت الديمقراطية
بالتوانسة"؟!
البعض
يُحاسب تونس؛ لأنها كانت مهد الديمقراطية، واحتضنت الثورة التي أطاحت
بالمستبدِّين، فهرب من هرب، وقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، وأُعدم من أعدم، لكنهم
لا يتحدثون عن الثورات المضادة، ولا عن استعداد الشعوب لممارسة تلك الديمقراطية،
عن وعي الشارع أو افتقاده لنخبة مؤطرة، ولا عن دور هذه النخب، وما إذا كانت مستعدة
أصلا لنقل بلدانها نحو واحة الديمقراطية بعد عقود طويلة في صحراء الاستبداد!
تونس
في ثورة مستمرة، مثلما هي مصر وليبيا وسوريا، وقد يتوقف الأمر حينا، أو يعتقد
البعض أنه قد توقف، لكن الديمومة مرتبطة أكثر بتحرّك الشارع ومسؤولية النخب
واستقلالية الإعلام وتحصين العدالة.. لذلك فإن ما تشهده المدن التونسية الآن ما
كان له أن يقع وينتعش، لولا وجود ديمقراطية ناشئة وحريات قائمة، ولولا الثورة التي
أشعلها البوعزيزي قبل سبع سنوات، ولولا وجود الفيسبوك و"تويتر"، حيث
كانت تلك الثورات والاحتجاجات تُقمع ويتم القبض على الفاعلين فيها بمجرد ما ينوون
التمرد على غلاء الأسعار أو فقدان مناصب العمل أو انتشار الظلم في المجتمع.
وبقدر
ما يتحدث البعض عن الثورات وفشلها، وعن "الربيع العربي" وكيف تحول إلى
"خريف"، لا يتحدث هؤلاء عن الثورات المضادة التي وظفت الإعلام والمال
والرياضة وكل ما لديها من أدوات، بغية تجريم كل مُطالِب بالحرية وتحريم كلّ صوت
يدعو إلى التغيير، بل إن بلدانا تحتلها أنظمة شمولية بائسة لم يعد لها من خطاب
للاستمرار في الحكم سوى التخويف من مصير تونس الهشة وسوريا المُدمّرة واليمن
المُقسّم وليبيا المستباحة، لكنهم لا يتكلمون عن تلك الإرادات السيئة والنفوس
الأمَّارة بالسوء و"بالخراب" ممن يتحالفون مع الغرب ولا يريدون للشعوب
أن تتحرر، لأنها وبالحصول على تلك الحرية كاملة ومع توفر النضج المطلوب.
سيكون لهذه الشعوب من يدافع عنها غدا عند ارتفاع الأسعار أو في
مواجهة تدهور مستوى المعيشة، أو انهيار الاقتصاد، ناهيك عن انتقالها إلى مرحلة
صناعة التغيير الحقيقي، والعثور على بدائل واقعية، وليس مجرد حلول مؤقتة لربح
الوقت.
الشروق الجزائرية