كتاب عربي 21

مواسير برتبة "مستشارين"

طارق أوشن
1300x600
1300x600

عندما يغرد سعود القحطاني، المستشار في الديوان الملكي السعودي، لينتقد تغريدات "سافلة" من رفيقه في "العهر الإلكتروني" الإماراتي حمد المزروعي، ليذكر بأن "الأعراض خط أحمر. نحن شعب لا نفجر بالخصومة. هذه تربيتنا وعاداتنا وهذه توجيهات ولاة أمرنا"، فاعلم أن الحقارة والدناءة التي وصلت إليها فيالق الذباب الإلكتروني لدول حصار قطر وصلت لما دون القاع. لكن الأهم ألا ننسى أن المزروعي وغيره ليسوا إلا أصواتا تنطق بلسان "أسيادها".

 

عندما كتبت قبل أسبوعين عن نشوء مفهوم الدولة "الغلمانية" وتطبيقاته على الأرض العربية، كان الأمل معقودا على أن تتغلب بعض "الحكمة"، التي قد يكون الغلمان رضعوها من الأسلاف أو سمعوا بها في التراث أو رأوا لها من التجليات على أرض الواقع يوما ما، قد تمنع الطبقة المستجدة بتدبير الشأن العام عن تخطي خطوط حمراء هي في الواقع مجرد أبجديات التربية الصالحة. لكن تسارع الأحداث أظهرت كيف أنه لا وقار ولا احترام لمبدأ أو خلق في مواجهة العهر في الخصومة لا مجرد الفجور فيها. فعندما تسلم مهمة تصريف الأحقاد والمواقف لرويبضة العصر تتحول القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل إلى مجرد قنوات صرف صحي.

 

في حوار له مع التلفزيون القطري قبل أسبوع، كشف وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن أن دولة الإمارات طلبت من بلاده، قبيل الأزمة الخليجية بشهرين، تسليم زوجة معارض إماراتي مقيمة في الدوحة مقابل توقيف الحملة الإعلامية التي كانت تتعرض لها البلاد،  ولأجل ذلك أرسل ولي عهد أبو ظبي مبعوثين اثنين. كان الرفض القطري، حسب وزير الخارجية، مستندا إلى مواد الدستور التي تمنع تسليم اللاجئ لأسباب سياسية، والأهم الأخلاق العربية والتقاليد الخليجية التي لا تسمح بتسليم امرأة.

 

والمرأة خليجية كانت أو عربية هي الحاضرة – الغائبة عن تطورات وتداعيات الأزمة الخليجية. غائبة أو مغيبة بضعف التمكين لها حد القدرة على التأثير في الأحداث وهي التي لا يزال أمر قيادتها للسيارة مؤجلا حتى حين، وصار نبأ دخولها الملاعب الرياضية حدثا يستحق الاحتفال. وهي حاضرة بمعاناتها من تداعيات الحصار على كل المستويات وإن كان أقساها الجانب الاجتماعي الذي قسم العائلات وقطع الروابط الأسرية دون أدنى اعتبارات إنسانية.

 

الأدهى والأمر أن تصبح نساء بلدان أخرى هدفا للتشويه والاعتداء لمجرد "نأي" حكوماتها عن مباركة خطوات دول الحصار واتخاذها مواقف تدعو للحياد الإيجابي. وقد رأينا كيف سارعت أبو ظبي إلى منع نساء تونس رضيعات أو جدات في أرذل العمر من استخدام طائراتها ما أدى إلى نشوب أزمة بين البلدين على وقع "مخاوف أمنية" أو "اعتبارات أخلاقية". ولأن التخبط وسيطرة العقلية "الذكورية"، التي تشذ عن تطور العقل البشري، من ثوابت تحركات دول الحصار، فقد وجدت في "لعبة" المس بالأعراض ملجئا لتصريف عقدة الفشل المزمن الذي لازم خطواتها على مر الشهور، حيث نقل "الغلمان" المعركة إلى مراكش، حاضرة المرابطين، على لسان تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية، في لقاء متلفز وهو "يستنكر" اختيار لاعب سعودي المدينة الحمراء عائدا من بعثة تدريب ببريطانيا، في إشارة "مريضة" لا ترى في مراكش غير أوكار سياحة جنسية وفساد.

 

الخوض في الأعراض ليست فعلا جديدا ولا معزولا في سياسات دول الحصار، فقد أظهرت التسريبات الأخيرة لضابط مخابرات مصري، وهو يلقن بعضا من "الإعلاميين" و"النجوم" الخطوط العريضة لبرامجهم ومداخلاتهم بما يتفق مع الخط الرسمي للجهة الأمنية حيث يعمل، كيف أن السب والشتم والسوقية صارت منهجا ونبراسا تستضيء به أبواق السلطة في مواجهة قطر وأميرها. "أشرف الخولي" وجه في حديثه مع عزمي مجاهد إلى التطاول على أمير دولة قطر ووالدته لأن "ده بيضايقهم وبيضغط عليهم".

 

وكان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد اعتذر للأمير تميم، ذات زمان، عن تجاوزات وسائل الإعلام المصرية، التي احتفت بالمناسبة واعتبرت الأمر نابعا من حسن الخلق الذي يتمتع به ولي نعمتها، قبل أن يتبين أن الأمر سياسة ممنهجة لا تستثني بلدا "عدوا" أو "حليفا" فـ"كل الخلايجة كده، لازم التعامل معهم يبقى بالعصا والجزرة" والعهدة على الضابط الخولي، صوت سيده الانقلابي.

 

تسعة أشهر من عمر الأزمة الخليجية، كانت كافية لتظهر أن الإمارات هي قائدة الاوركسترا الفعلية التي توجه سياسات دول الحصار. وكل ما يكتب له الظهور على السطح تفاخرا أو عنجهية أو تسريبات يبين مستوى التنسيق بين مختلف الأذرع الموزعة في الدول الثلاث "الكبرى" على الخصوص. الهجوم غير الأخلاقي على قطر ورموزها معروف ومنسق ومدروس بالشكل والتوقيت. لكن الجديد كان بدء الحملة على دول أخرى بعينها لم تستثن منها حاملة لواء الوساطة، دولة الكويت. ففي مصر محاولات للإيقاع بينها وبين قطر واستغلال لحوادث اعتداء للترهيب. وفي السعودية تذكير بوقوف المملكة بجانب "الأشقاء" أيام الغزو العراقي. أما في الإمارات فقد وصلت الوقاحة حد "استئجار" خدمات فؤاد هاشم، بعد انتهاء دوره في الهجوم على قطر بحكم قضائي بالسجن، للتعريض ببلده والتحريض عليها إن هي لم تتجاوب مع سياسات مضيفه الجديد، الذي اتهمه الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني باحتجازه وحمله مسؤولية أي مكروه قد يلحقه، قبل أيام، وهو الذي كانت دول الحصار تقدمه بديلا للإمارة بالدوحة.

 

صرفت الإمارات من المال ما صرفت لتشييد بنايات فرعونية تدخلها التاريخ الحديث. وصرفت من المال ما صرفت لابتداع تاريخ لا أصل له حد نسب الكابوتشينو إلى أبوظبي القرن السادس عشر، وعنتر بن شداد إلى منطقة ليوا، بل الإدعاء بذكر اللهجة الإمارتية في القرآن على لسان وسيم يوسف، وغيرها من أحلام اليقظة التي لا أصل ولا فصل لها في التاريخ قديمه وحديثه. لأجل ذلك، تلازمها عقدة دفينة من الحواضر الأصيلة كمراكش المرابطين وتونس الزيتونة التي لا يرى فيهما سفهاء القوم غير المراقص ومحلات المتعة السريعة، وهي موجودة لا ننكرها. وامتد حقدها للحواضر الأجدد، التي استطاعت أن تبني لها مجدا معاصرا في الثقافة والسياسة الإعلام، دونما حاجة إلى تدنيس أراضيها بالمواخير والخمارات.


الحكم في الدول "الغلمانية" مبتلى والعياذ بالله، و"إذا ابتليم فاستتروا".

0
التعليقات (0)