الأردن ينقلب

ما إن بدأ الأردن يستشعر أن هناك من بين الأنظمة العربية من يريد له أن يكون بيدقا على رقعة الشطرنج الإقليمية، حتى انتفض أحرار هذا البلد وعلى رأسهم قيادتهم التي بدأت تعلي قيمة استقلال القرار في السياسة الخارجية، بصرف النظر عن تدفق أو توقف المساعدات الخارجية. ولهذا لم يعد انتقاد سياسات بعض الأنظمة العربية من التابوهات.

 قبل أسبوع زار الجامعة الأردنية مستشار في السفارة السعودية بعمان للحوار مع أساتذة العلوم السياسية، وكان منطق المستشار – الذي يعكس فهمه للبنية الذهنية لتيار الحزم – غريبا بعض الشيء، فقال بأن من يريد الحصول على مساعدات من السعودية عليه أن يكون شريكا في الغرم، وكأنه يشير إلى أن حاجة الأردن الاقتصادية يمكن تلبيتها فقط إن أخضعت عمان قرارها وفقا لأولويات تيار الحزم. وكان رد أساتذة العلوم السياسية صادما له ولقنوه درسا قاسيا في كيفية مخاطبة الأردنيين، ويبدو أن الجانب السعودي يتوقع من الشعوب الأخرى أن تتوسل له للحصول على مساعدات.

قبل أيام قليلة زار الملك عبدالله الثاني أحد كبار ضباط الجيش المتقاعدين من شمال الأردن، وفي اللقاء انتقد الملك علنا حقيقة أنه ليس للعرب أولويات موحدة حيال ملفات الإقليم، وبهذا يعكس الملك الفكرة السائدة بين النخب الأردنية التي تفيد بأن نتائج الصراع مع اليهود على فلسطين سيكون لها انعكاسات مختلفة على مختلف الدول، ولهذا يرى الأردنيون الأمر من منظور وجودي في حين تراه على سبيل المثال كل من القاهرة والرياض كورقة قابلة للتداول والتفاوض والمقايضة.

ما يكتب في الصحف الغربية وتحديدا النيويورك تايمز وما كشف عنه كتاب مايكل وولف، يعد مؤشرا حقيقيا على الدرك الذي وصل إليه بعض العرب في التقارب مع إسرائيل، والرغبة في تقديم القضية الفلسطينية كبش فداء لقاء تحالفات لن تكون إلا أبراجا على رمال. فلا يعقل أن شابا بعمر غاريد كوشنر يمكنه إقناع من يقودون أقوى وأكبر الدول العربية بضرورة تقديم تنازلات تاريخية لإسرائيل، لقاء تحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران، فالعقل والمنطق يقولان إن على إسرائيل تقديم تنازلات تاريخية حتى يقبل بها العرب وليس العكس!.

فالأمر ليس وكأنها فكرة أمريكية يمكن قبولها أو رفضها لكن وكما يكشف كبار قادة منظمة التحرير الفلسطينية، قامت السعودية بنقل أفكار متعلقة بـ "صفقة القرن" التصفوية إلى الفلسطينيين. وهنا لابد من القول، إن ناقل الكفر هو كافر أيضا، فكيف لبلد بحجم السعودية أن يقبل أن يقوم بدور المروّج لأفكار تستهدف أهم قضية يمكن أن تجمع العرب من محيطهم إلى خيلجهم؟

وعود على بدء، أقول إن انقلاب الأردنيين على الواقع الإقليمي هو أمر إيجابي، فالشارع الأردني لا يقبل أن يخاطبه أحد بلغة التهديد أو بلغة ليّ الذراع والحصار الاقتصادي، فحال الأردنيين كحال "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها"، وهذا المنطق هو الطاغي عند الأردنيين وهو أمر قد لا يفهمه رموز تيار الحزم والمتماهين معه، لهذا لا غرابة في أن تبتعد بعض العواصم العربية عن الرياض بعد أن تبين لها أن ولي العهد على استعداد للتضحية بالجميع في سياق الصراع على السلطة في السعودية. فالحديث المستمر للرياض عن التهديد الإيراني صحيح، لكن المعادلة التي ترغب السعودية في تقديمها للتصدي لإيران هي خاطئة، ووصفة هزيمة أخرى تضاف إلى سجل تيار الحزم. فالأردنيون لن يقبلوا بتضخيم الخطر الإيراني ليكون سحابة دخان تخفي خلفها التواطؤ مع إسرائيل لحل مشاكل إسرائيل على حساب الفلسطينيين والأردنيين على السواء.

الشرق القطرية