هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إعلان حزب مصر العروبة الذي يرأسه الفريق أول سامي عنان، رئيس الأركان السابق للقوات المسلحة، وثاني اثنين أداروا الدولة في أعقاب إسقاط حسني مبارك في فبراير 2011، ترشحه لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة كان خبرا مزلزلا في الحياة السياسية المصرية، وأثار الكثير من ردود الفعل، كما طرح العديد من التساؤلات عن مغزاه وعن جديته وعن خلفياته وعن الداعمين المفترضين للفريق عنان في الداخل والخارج، وعن فرصه في الفوز وعن موقف جبهة الرئيس عبد الفتاح السيسي من هذه الخطوة، وعن موقف أجهزة الدولة المختلفة منها.
كل تلك أسئلة منطقية بالفعل، في ظل الظروف الحالية
والمناخ السياسي الحالي، رغم أن بعضا منها لا يفترض طرحه لو كنا في مناخ سياسي عادي
وديمقراطي وشفاف، لكن لأن المناخ الحالي موبوء، وغامض، ومشرع على المفاجآت دائما، كانت
هذه الأسئلة جميعها، والحقيقة أن الغموض والخوف من المفاجأة أو ترقبها أو التحسب لها
أصبح شائعا لدى الجميع، داخل دولاب الدولة أو بين صفوف المعارضة أو في الرأي العام
الدولي أيضا، هناك إدراك أن في مصر رمالا متحركة تحت الهياكل والمؤسسات، وسيولة سياسية
غير ثابتة، وهناك دائما توقع المفاجأة في مصر، هناك إحساس أو إدراك بأن التركيبة الحالية
غير قابلة للاستمرار أو لا تملك مقومات الاستمرار، وأن بلدا بحجم مصر ومشكلاتها لا
يتحمل هذا "التوهان" طويلا.
خطوة الفريق سامي عنان أتت في وقت محرج، وربما
محسوب بدقة ومرتب له، بعد أن تم تدشين عملية الانتخابات رسميا، والبدء في استيفاء التوكيلات
للمرشحين، وهي لحظة يكون فيها تفكير البعض في التصدي لها ووقفها مكلف سياسيا وبالغ
الحرج، وأي حجر يلقى عليه فيها لن يكون له سوى تفسير واحد، كما أن الوقت أصبح ضيقا
على ترتيب رؤية لمواجهتها، هذا بالإضافة إلى أن كثيرين داخل مصر وخارجها يرون أن الفريق
عنان كقائد عسكري رفيع بخبرة طويلة ليس من النوع الذي يقدم على خطوة كهذه لمجرد
"الفرقعة" الإعلامية أو إثبات الحضور، وبالتالي يتساءل هؤلاء : على أي
"ظهر" استند عنان في إقدامه على تلك الخطوة، خاصة بعد ما جرى للفريق شفيق،
وهنا يحاول البعض الربط بين ذلك وتباين وجهات النظر داخل الدولة وأجنحتها القوية
في مجمل المشه،د وإمكانية استمراره بمفرداته نفسها وحساباته وجدوى ذلك، فهل أوحى بعضهم
لعنان بالتقدم؟
أيضا، عنان له حضور وموثوقية في المحيط العربي،
ولدى دول تملك التأثير، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، على الداخل المصري، فهل كانت خطوة
عنان بترتيب أو على الأقل بإحاطة أولئك علما أو بنوع من الرضا إن لم تكن المباركة،
أم إنه فاجأ الجميع، وهل يملك عنان تصورا لبرنامج إنقاذي في مصر، اقتصاديا على الأقل،
استنادا إلى دعم موعود أو ممكن له من العالم الخارجي، بالنظر إلى التركة المرة وثقيلة
الوطأة التي سيرثها إن قدر له الفوز بالرئاسة؟
على كل حال، كثير من تلك الأسئلة ستنجلى الإجابة
عليها تلقائيا خلال الأيام المقبلة، في ضوء معرفة ما إذا كان الفريق سامي عنان يصر على
التمسك بترشحه، أو أنه "سيطلع على الحقائق" كما اطلع عليها شفيق من قبل، ويرى
أنه ليس الشخص المناسب لقيادة الدولة الآن، كذلك سيكون موقف الإعلام الموالي للرئيس
السيسي كاشفا عن موقف المؤسسة من خطوة عنان، خاصة أنه إعلام بدائي وبسيط وهي ميزة
لمن يريد أن يعرف اتجاهات الريح، أما فرص عنان للفوز إذا مر حتى الوصول إلى اللجان،
فهي فرص قوية للغاية، بالنظر إلى حالة الإحباط الاقتصادي والسياسي والمعنوي التي أصابت
قطاعات كثيرة في المجتمع تجاه تجربة السنوات الأربع الماضية.
والحقيقة أن حالة الهلع والقلق التي تنتاب الأجهزة
الرسمية والإعلام الموالي تجاه أي حالة ترشح جادة في الانتخابات الرئاسية الجديدة، كاشفة
بذاتها عن عمق الأزمة التي نحياها في مصر، ومدى تراجع الثقة بصحة المسار الحالي، والإدراك
الواضح بانحسار الشعبية بصورة كبيرة عما كانت قبل أربع سنوات، لدرجة القلق من أن أي
مرشح ـ في ظل تلك الأجواء ـ يمكن أن يحقق المفاجأة ويضع الجميع أمام تحد محرج وخطير.
هما أسبوعان حاسمان، حتى 29 كانون الثاني/يناير، ربما يحملان
المفاجأة التي تغير وجه مصر أو تؤسس لهذا التغيير، وربما يصيبان كل الطامحين للتغيير
والإنقاذ بالإحباط من جديد.
المصريون المصرية