هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في ليبيا "الجماهيرية العظمى"، كان سيف الإسلام، ابن العقيد معمر القذافي، يتصرف في حكم البلاد وكأنه مالكها الشرعي نيابة عن الوالد، فصارت الدول "العظمى" وكبرى الشركات العالمية ممن لها مصالح في البلاد تفضله "محاورا" دون أدنى احترام لأدبيات التسيير العام كما يتم تطبيقها في بلدانها.
النتيجة كانت أن خرج "الفتى" على الشعب الليبي و"القوى العظمى" محذرا من العبث بقوانين "عزبة الوالد" بسبابته، التي لم تمر غير أشهر عن خطابه التهديدي "التاريخي" حتى أصابتها الغرغينيا جزاء إلهيا. ولم يكن سيف الإسلام نموذجا وحيدا لسياسة "غلمنة" الحكم بليبيا، حيث اقتفى إخوانه الأثر، وصار الساعدي يشتري الأندية الرياضية من أموال الشعب ليضمن بها دقائق ممارسة على ملاعب روما، وعائشة تستعرض قدراتها الخطابية في المحاكم والمنتديات، والمعتصم في السهرات واستقدام المغنيات..
بعد أكثر من خمس سنوات على مقتل الوالد، يسارع أنصار النظام السابق من المسؤولين وأبناء القبائل الخطى لتعبيد الطريق أمام سيف الإسلام، المطلوب للجنائية الدولية، لتولي حكم ليبيا رئيسا "منتخبا". "الغلمنة" داء تتوارثه الشعوب جيلا عن جيل وتحن إليه كلما بدا أن العبودية صارت من الماضي، فأخلاق "العبيد" أن يحنوا إلى الأغلال.
في فيلم (الديكتاتور – 2009) للمخرج إيهاب لمعي، وداخل غرفة نوم عزيز/ ابن الرئيس شنن الجيوش، شخص ببذلة رسمية ينحني لجمع ملابسه المتناثرة في أرجاء الغرفة بهدوء خوفا من إيقاظ ابن الرئيس المجهد من ليلة قضاها في مجون، داخل غرفته بالسفارة، كما المعتاد.
في الدول "الغلمانية" يتقاسم نسل الرئيس والأمير والملك تمثيل الدولة في المحافل العالمية دون مسوغ قانوني أو مصلحة وطنية ظاهرة، فتراهم يتكلمون بلسان، في أغلبه إما أعجمي أو غير قادر على تطويع لغة الضاد، فكيف لهم أن يدافعوا عن مصلحة الأوطان.
الملحق الثقافي: الملحق العسكري والملحق الاقتصادي بيجيبوه من السوبر ماركت.
تلك بالضبط صورة مصغرة، قد يكون الواقع أفظع منها، في الجمهوريات والممالك "الغلمانية" التي ورثت عن الاستعمار بلدانا واستعبدت معها شعوبا وقبائل شتى.
ليس غريبا في الدول "الغلمانية" أن يتصدر الأبناء والأحفاد وبقية أفراد العائلة المشهد والمبرر الوحيد "جينات" انتقلت بالتوارث من جيل لجيل. سيطرة "السلالة" على البلاد والعباد لا تنظمها "دساتير" ولا قوانين.
وحده الحاكم المستبد يبدو في الظاهر موزعا الأدوار على نسله ومعها السلطة والجاه والمال. أما الشعوب فلا ترى في ذلك غير "حكمة" و"تبصر" و"مصلحة" في ظل الاستمرارية والاستقرار.
في الدول "الغلمانية" يتقاسم نسل الرئيس والأمير والملك تمثيل الدولة في المحافل العالمية دون مسوغ قانوني أو مصلحة وطنية ظاهرة، فتراهم يتكلمون بلسان، في أغلبه إما أعجمي أو غير قادر على تطويع لغة الضاد، فكيف لهم أن يدافعوا عن مصلحة الأوطان.
تراهم وزراء ورؤساء مجالس إدارة ورؤساء مجالس استشارية أو أندية رياضية أو جمعيات أهلية أو غيرها من المنظمات، يفتتحون المشاريع والمهرجانات ويصدرون القوانين والقرارات تقريبا من نعيم السلطة أو نفيا عن مراكز المسؤولية أو اعتقالا في السجون والفنادق والإقامات، وكأن "الكفاءة" انحصرت في أسرة "الزعيم" لا تبغي عنها بديلا.
يحدث هذا دونما سؤال عن كلفة هذا "السطو" على مفاصل الدولة والمجتمع في الآن. وبالتبعية ترى الشعوب مهللة ومسبحة لا ترى في نسل "زعيمها" غير صفات الكمال والوسامة والعطف والتواضع والإحسان.
فالدولة دولتهم والمال مالهم وما نحن إلا رعايا وأتباع نقتات من عطف الكرماء أبناء الأكرمين.
أما المطبلون فجاهزون يتحينون الفرصة والإشارة للهرولة والرقص على جثة الشعب في بلاط السلطان.
في اجتماع وزاري يرأسه شنن الجيوش، يدخل عليه أحد معاونيه بحزمة ملفات..
المعاون: اتفضل يا سيادة الريس..
شنن الجيوش: هو أنا ح أمضي كل ده؟
المعاون: أيوه يا أفندم.
شنن الجيوش: لأ يا ابني.. أنا تعبان ونضارة القراية بتاعتي ضايعة.
المعاون: ده حاجات خاصة بالسيد عزيز.
شنن الجيوش: عزيز ابني؟ يا لهوي..
المعاون: ولسه فيه شرايط كمان.
يتم تشغيل شرائط مصورة لابن الرئيس في حفلات مجون.
شنن الجيوش: الولد عزيز نضج أهه.. اقصد أقول ده موضوع ميتسكتش عليه أبدا. احنا لازم نتصرف.
وزير: فعلا يا ريس.. احنا كلنا خايفين على صورة وهيبة عزيز بيه قدام الشعب.
شنن الجيوش: بلاش نكبرها أوي.. أنا شايف أنه عادي لما يتدلع في شبابه على الشعب شوية.
حنفي: بس أنا خايف يا ريس أن الموضوع يكبر على كده.. انت عارف أن الناس عندنا رغايين وانهم مبيقدروش الخصوصيات ايلي من النوع ده، فأنا بقول نلم الموضوع بسرعة أحسن..
شنن الجيوش: للدرجة ده.. طب تفتكر ايه الحل؟
حنفي: أنا بقول نبعده عن بامبوزيا.
كان هذا وقت تملك "الرؤساء والملوك" قرارهم. أما اليوم فقد صار الأبناء وأولياء العهود هم الأوصياء على الآباء وكبار الإخوان، وهم الذين يقررون في من يستحق الإبعاد أو الإخفاء أو الإظهار متى رأوا في ذلك مصلحة ومناسبة لاستعراض النفوذ والقوة التي تمتعوا بها في غفلة من الأولياء.
في الدول "الغلمانية"، نظام عتيق عشناه مع الأنظمة الوراثية قبل أن تنتقل العدوى للجمهوريات الاستبدادية التي تحولت من وراثة أبناء الحزب الواحد أو المؤسسة العسكرية إلى محاولات التوريث الجيني.
نظرة سريعة لأعمار الرؤساء والملوك العرب تظهر كيف أن عقلية الماضي لا تزال تقاوم الزمن وصيرورة التاريخ. لأجل ذلك، يستعان بالأولاد والأحفاد والأصهار وبقية الفروع لحماية حكم يتحول مع مرور الوقت لمجرد شأن عائلي تُصرف على إثره الميزانيات، دون حسيب ولا رقيب
وكان الاعتقاد سائدا أن الأمر انتهى مع ما عاشه العالم العربي من أحداث "كارثية" نتجت عن السعي للتوريث في مصر وليبيا وسوريا واليمن.
لكننا رأينا محاولات الاستنساخ تعود لدول "الثورة" ذاتها حيث ينادى على أبناء الأنظمة "المخلوعة" تحضيرا لتوليتها المسؤوليات، أو تطلق أيادي أبناء "الزعماء" المستجدين في التنكيل بالمعارضين أو الخارجين عن سرب التطبيل أو المقصرين فيه. والأدهى أن نرى دولة قيل أن "الثورة" فيها نجحت، وهي تحاول تحضير نجل الرئيس للولاية ولو اقتضى الأمر الدخول من بوابة دائرة انتخابية من وراء البحار.
هي الألطاف الإلهية و"غرور" الحاشية بأن الفوز في المتناول جنبت البلاد سيناريو يبدو أن القائمين وراءه لن يعدموا وسيلة لتكراره ولو على حساب الوطن ومستقبله.
نظرة سريعة لأعمار الرؤساء والملوك العرب تظهر كيف أن عقلية الماضي لا تزال تقاوم الزمن وصيرورة التاريخ. لأجل ذلك، يستعان بالأولاد والأحفاد والأصهار وبقية الفروع لحماية حكم يتحول مع مرور الوقت لمجرد شأن عائلي تُصرف على إثره الميزانيات، دون حسيب ولا رقيب، وتُتبنى الرؤى والخطط إرضاء لنزوات وأحلام "الغلمان" دون عودة للشعب أو ممثليه طلبا لمشورة أو مجرد إقرار.
داخل القصر الجمهوري بدولة بامبوزيا، يتحدث حكيم، ابن الرئيس شنن الجيوش، في الهاتف، بينما الرئيس جالس يتابع المشهد دونما قدرة على التأثير، فقد صارت السلطة كلها بيد "الغلام".
حكيم: الشطارة نبيع دلوقت.. بيع.. بيع.. ايه ده، انت لسه مبعتهاش؟ أنا فاكرك بعتها من شهر.
المؤسسة؟ المؤسسة ده بالذات دمها تقيل على قلبي.. لأ بيع بيع.. لأ ده بالذات اوعى تبيع.. أنا بعتها وقبضت العربون..
شنن الجيوش: ما تهمد شوية يا ابني..
حكيم: فيه ايه يا بابا؟
شنن الجيوش: فيه ايه انت؟ بيع.. بيع.. بيع. ناقص تبيعما هدومنا.
حكيم: هو أنا أقدر.. متقلقش يا بابا.. أنا دارس كل حاجة.. بشوية مؤسسات بتخسر حنضحك على شوية مستثمرين ونبيعها لهم ونشتري احنا مؤسسات من ايلي بتكسب.
شنن الجيوش: يا ابني مش عاوزين قلق. بيع زي ما انت عايز بس مش بالجملة كده.
حكيم: خلينا نبيع ونخلص بقا. عايز أفوق للشعب ده علشان يعيش في رفاهية..
بالشكل الذي كان فيه الاستعمار يختار أصغر الأبناء وأقلهم شأنا لتولي حكم "البلاد المستقلة" عن حكمه المباشر، لا يزال، حتى اليوم، مصرا على اختيار "الغلمان
والنتيجة ما تنقله نشرات الأخبار على رأس كل ساعة أو على شكل عواجل تقطع الإرسال حروبا ومجازر أو إهدارا للأموال في شراء اليخوت والقصور والأنتيكات.
الواضح أن "الغلمنة" فيلم واقعي يأبى الانتهاء وبدعم من القوى "العظمى" الكفيل الرسمي لأنظمة الاستبداد.
فبالشكل الذي كان فيه الاستعمار يختار أصغر الأبناء وأقلهم شأنا لتولي حكم "البلاد المستقلة" عن حكمه المباشر، لا يزال، حتى اليوم، مصرا على اختيار "الغلمان"، نتاج جينات المستبدين وحيواناتهم المنوية، حلا أوحد ضامنا لاستمرار قبضتهم على ثروات المنطقة ومستقبلها.