هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تستخدم إسرائيل في الأيام الأخيرة مبررات جديدة من أجل توضيح وتبرير سياستها و موقفها تجاه قطاع غزة، وتحديدا مسألة التصعيد أو كبح النفس في ظل استمرار المقاومة من غزة، ومن أهم هذه المبررات هو رغبتها في عدم إثارة الجبهة الجنوبية، للسماح بالاحتجاجات الشعبية الناشئة والمتزايدة في إيران بأخذ مداها وعدم صرف أنظار الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي عنها، وذلك إضافة إلى المبررات السياسية والاستراتيجية التي تتحكم في معادلة التصعيد والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ففي محاولة للتصدي للمطالب المتزايدة من قبل الرأي العام الإسرائيلي، وقادة المعارضة اليسارية لردة فعل أكثر قوة وحزما لاستمرار تساقط صواريخ المقاومة على الأهداف الإسرائيلية، اعتبر وزير الحرب ليبرمان وفي مقابلة مع القناة 13 للتلفزيون الإسرائيلي 30-12-2017 أن قوى سلفية مدعومة من إيران هي التي تريد جر إسرائيل و"حماس" لمواجهة شاملة، واعتبر نتنياهو مطالب رئيس المعارضة جاباي باغتيال قادة في "القسام"، من أجل استرجاع قوة الردع الإسرائيلي، مطلباً صادراً عن إنسان لم يتخذ قراراً أمنيا في حياته.
لا ترغب إسرائيل على ما يبدو في أن تتصدر صور التصعيد الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة وسائل الإعلام الدولية، وذلك لعدم التغطية على صور الاحتجاجات القادمة من شوارع المدن الإيرانية المختلفة، والتي اعتبرها بعض كبار قادة الاستخبارات الإسرائيلية بأنها أخطر تهديد يمر به النظام الإيراني منذ فشل الثورة الخضراء في إيران في العام 2009، وذلك على الرغم من عدم وضوح الصورة بشكل كامل، وقد أضاف لصحيفة هآرتس 1-1-2018 أن المصلحة الإسرائيلية تكمن في عدم صرف الاهتمام والانتباه العالمي عن ما يجري في إيران.
من الممكن القول بأن مبرر أو اعتبار (الاحتجاجات الشعبية في إيران) هو اعتبار جديد وهام، يساعد القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل في تحقيق هدفين أساسيين: الأول - الظهور كشريك مؤثر في مواجهة إيران والثاني والأهم - إقناع الرأي العام في إسرائيل بأهمية استمرار السياسة الأمنية الحالية التي تعتمدها هذه القيادة تجاه غزة والقائمة على عدم الانجرار إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لا يخدم المصالح الإسرائيلية في هذه المرحلة، ومن الجدير ذكره أن العامل الإيراني قد شكل ومنذ سنوات مبرراً مقنعاً وناجحاً للعديد من سياسات نتنياهو الداخلية والخارجية.
لا بد من التأكيد على أن العوامل الأساسية التي تعتمد عليها المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل، في صياغتها لموقفها من مسألة التصعيد مع المقاومة في قطاع غزة، تتعلق وبالدرجة الأولى بعدم تحديد هدف سياسي وغير باهظ التكاليف أو استراتيجية سياسية وأمنية متفق عليها تجاه مسألة قطاع غزة بشكل عام من حيث:
ما هو هدف الحرب على غزة ؟ وهل يوجد بديل حقيقي لحماس لحكم غزة ؟ وهل تستطيع إسرائيل تحمل أعباء وتكاليف احتلالها للقطاع أو البقاء فيه لفترة مستمرة ؟
ويركز آخرون على أهمية العامل الاستراتيجي في معادلة التصعيد.. أي:
عدم استكمال الجيش الإسرائيلي للتجهيزات والاستعدادات الاستراتيجية-العسكرية المطلوبة، والتي تمكنه من القيام بمناورة برية واسعة وناجحة تسمح له باحتلال كامل أراضي قطاع غزة، وتحديداً من حيث استكمال تدريب وبناء القوات البرية وتزويدها بالعتاد اللازم للاقتحام البري كالدبابات المتطورة التي يمكنها تجاوز دفاعات المقاومة الفلسطينية دون ان تتكرر تجربة السقوط في (فخ الشجاعية).
وهكذا ينضم اعتبار إنجاح و دعم المتظاهرين الشجعان في إيران (على حد وصف نتنياهو) في مواجهتهم للنظام الحاكم في إيران الى جملة من العوامل والمبررات الرئيسية التي تحكم القرار الأمني في إسرائيل، في عدم الرغبة في التصعيد لدرجة المخاطرة بتآكل احد أهم عناصر نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وهو قوة الردع الإسرائيلي، ويتميز المبرر الجديد بقدرته المجربة في إقناع الرأي العام الإسرائيلي المتجه نحو اليمين والداعي للمزيد من التصعيد في السياسة الأمنية المرتبكة للحكومة الإسرائيلية تجاه مسألة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة .