هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافي برهان وزير، حول الهجوم على مسجد فينزبري بارك في شمال لندن، الذي وقع في 18 حزيران/ يونيو، وأدى إلى مقتل شخص وجرح 10 آخرين، بعدما دهس رجل كان يسوق شاحنة صغيرة مصلين قرب دار الرعاية الإسلامية في فينزبري بارك.
ويقول وزير: "كانت ليلة عالية الرطوبة عندما كان إمام مسجد الرعاية في منطقة فينزبري في شمال لندن الإمام محمد محمود، يؤدي صلاة التراويح، وكانت الساعة تقترب لمنتصف الليل، حيث ذهب إلى مكتبه في الطابق الأعلى، وقال: (لم أحضر الشاي بعد، عندما جاءني أحد المصلين، وقال لي إن هجوما قد وقع)".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن محمود نزل مسرعا على الدرج، حيث شاهد في شارع سيفن سيسترز رود شاحنة بيضاء صغيرة وجثثا متوزعة على الأرض، منها اثنتان علقتا بها، لافتا إلى أنه تبين أن المأساة نفذها دارين أوزبورن (47 عاما)، وهو والد أربعة أطفال، وكان استأجر الشاحنة في كارديف، وساقها إلى لندن، ومات في العملية شخص وجرح عشرة آخرون، وينتظر أوزبورن المحاكمة.
وتفيد الصحيفة بأن الشخص الذي توفي هو مكرم علي (51 عاما)، حيث مات متأثرا بجراحه عندما ساق أوزبورن الشاحنة بين الزحام، وقال أحد المصلين: "لقد مات"، وقام ثلاثة من المصلين بسحب السائق من السيارة والسيطرة عليه.
ويبين الكاتب أنه مع انتشار الخبر بدأت المشاعر الغاضبة تتزايد، وعلم الإمام محمود بهذا الأمر، ومال أحد الرجال نحو أوزبورن ولكمه، وبدأت اللكمات والركلات بعدها تنهال عليه، وسمع في لقطة فيديو للحادث صوت شخص وهو يقول "لن يملسه أحد، لن يلمسه أحد"، وكان هذا هو صوت الإمام محمود، الذي منع اندلاع دورة من العنف كانت على وشك الحدوث، وبعد ذلك أشار الإمام إلى سيارة شرطة، قائلا: "أخبرتهم ماذا حدث وبأننا نريد مساعدة لأن الوضع قد يخرج عن السيطرة".
ويلفت التقرير إلى أن الإمام قام هو واثنان من المصلين بجر الفاعل إلى صندوق سيارة الشرطة، وحاولوا السيطرة على الجماهير حتى جاءت تعزيزات شرطة أخرى، ووصفت الصحافة محمود بالإمام البطل الذي منع كارثة ووقف يحرس أوزبورن، مشيرا إلى أن الساعات التي تبعت الحادث اتسمت بحس من الوحدة المجتمعية، حيث زار المكان عمدة لندن صادق خان ورئيسة الوزراء تيريزا ماي وزعيم حزب العمال جيرمي كورببن، وتم تطويق المكان، حيث وقفت حشود كبيرة تراقب طوال اليوم، وفي الليل كانت هناك جلسة هدوء حمل فيها المشاركون الشموع وعلامات "فينزبري بارك توحدت"، وترك الزوار لزيارة المكان.
وتنقل الصحيفة عن محمود، قوله إنه لم يترك المكان طوال اليوم، ويضيف: "لم أستطع الذهاب إلى البيت"، ولم يكن لديه الوقت ليتصل مع زوجته، و"حتى أكون صادقا فلم أفكر بأوزبورن منذ ذلك اليوم، ويبدو الأمر لي مثل غمامة"، لافتة إلى أنه بعد ستة أشهر فإنه يبدو أكثر تأملا بما جرى ودوره في الأحداث، حيث يقول إن وصفت بـ"الإمام البطل" فإنه ثناء غير مباشر.
ويقول وزير إنه سأل عما إذا كان الأمر العادي هو أن يقوم المسلمون بسحل الرجل وقتله، فأجاب محمود: "لا، الأمر العادي هو ما قمت به"، مشيرا إلى أن شقيقه قام بتصويره ذلك اليوم، ويقول: "لا يمكن أن نهرب من حقيقة أن المسلمين تم تصويرهم بطريقة غير جيدة في الإعلام"، ويضيف: "لا أريد أن يكون هناك أي تلاعب، فلو كانت هناك تقارير حول الذين قتلوا وجرحوا فلا أحد يجادل بما حدث"، ويتابع قائلا: "إن استنتاج أو افتراض أنه كان سيقتل لو لم أكن هناك هو بناء على فرضية أن المسلمين وحوش ولا يحترمون القانون".
وينوه التقرير إلى أن محمود (31 عاما) ولد في محافظة الغربية في مصر، وانتقلت عائلته إلى لندن عام 1986، وكان عمره 6 أسابيع، ونشأ في بيت تابع للبلدية في فينزبري بارك قبل أن تنتقل عائلته إلى إزلنغتون، ودرس البيولوجيا في "يونيفرستي كوليج" في لندن، وانتقل وزوجته إلى القاهرة عام 2012، حيث حفظ القرآن ودرس في الأزهر قبل أن يعود إلى لندن بعد 9 أشهر، حيث يقول: "لم يناسبني البلد ولم يناسب احتياجاتي الاكاديمية وقررت الأفضل"، ودرس الدين في الكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية في بيرمنغهام، وأصبح إماما في دار الرعاية التي كان يؤم فيها.
وتورد الصحيفة نقلا عن محمود، شجبا لأبي حمزة المصري، الإمام الراديكالي الذي حول مسجد فينزبري إلى مركز للتشدد في الفترة ما بين 1998 و2003، ويقضي أبو حمزة فترة السجن المؤبد في أمريكا، لكنه قاد الصلاة في الشوارع عندما كان موجودا في المنطقة، وتحدث عن الجهاد، قائلا إن الانتباه الذي حصلت عليه منطقته ارتبط بأبي حمزة، وحاولوا هز الصورة منذ أكثر من عقد من الزمان.
ويقول محمود إنه لا يخاف من حصول عمل انتقامي آخر، إلا أن التجربة وضحت أهمية العمل الذي يقوم به وواجبه تجاه الشباب المسلم، ويضيف: "عندما تكون شابا تعتقد أنك وصلت إلى قمة المعرفة، مع أنك بالكاد لامست السطح، وهذا يذكرني بدوري في تدريس الإسلام البعيد عن التشويه وسوء الفهم، وهذا أمر مهم في هذا العصر والزمن، وعندما يبحث الطفل في الإنترنت ويتعلم شيئا يضلله أو يحرفه عن الطريق المستقيم وفهم الإسلام".
وبحسب التقرير، فإن الحادث الإرهابي ذكره بالمثال القوي الذي يمكن أن تقدمه لندن للعالم، فيقول: "هذه المدينة التي تقدم الاتجاه للمستضعفين ولكل جماعة عانت من الاضطهاد، وعلى المستوى العالمي فلندن هي خيارهم، وهذا أمر يدعو للفخر، وهو أمر يجب أن تشارك فيه المدن الأخرى، ونموذج لندن يمكن الحفاظ عليه، وهذا يدعوني للفخر، وعندما أكون في الخارج لا أفتقد بريطانيا بقدر ما أفتقد لندن".
وتفيد الصحيفة بأنه تم إنشاء دار الرعاية بصفتها مؤسسة خيرية عام 2007، وهي عضو في منبر الأديان لأزلينغتون، وتتشارك مع الجماعات الدينية الأخرى في مناسبات، ومديرها هو توفيق قاسمي، وهو رئيس المنبر الإسلامي المسيحي، الذي يرعاه أسقف كانتبري جاستن ويلبي.
وينقل الكاتب عن قاسمي، قوله إن دار الرعاية تخدم 12 ألف شخص من الأديان كلها، ومن لا دين لهم أسبوعيا، ويقدم الأساتذة حصصا لتعليم اللغة الإنجليزية للمتحدثين بلغات أخرى، وفيها مكتب للنصح حول العمل، وتقدم فيها حصص حول تكنولوجيا المعلومات والوعي الصحي وتدريب الكاراتيه للأطفال والاحداث، وتزورها في كل يوم 250 امرأة لتعلم اللغة الإنجليزية والمهارات، وفي عام 2015 أعلنت الدار عن مشروع لتوفير الوظائف للشباب الذين يجدون صعوبة في العثور عى عمل، حيث يقول قاسمي: "هناك الكثير من التحديات التي تواجه الشباب للحصول مهارات عملية.. نعمل ما يمكننا عمله لندخلهم سوق العمل".
ويكشف التقرير عن أنه بحسب أرقام مفوضية الجمعيات الخيرية، فإن دار الرعاية جمعت في العام الماضي 670 ألف جنيه إسترليني، وكان الرقم 700 ألف عام 2015، وقدمت الدعم الإغاثي للصومال وبنغلادش وميانمار.
وتذكر الصحيفة أن قاسمي كان في البيت عندما سمع عن الحادث، وسارع إلى المكان، ويقول: "شعرت وكأن الإعلام يصور الأمر على أنه حرب"، وسمع وهو يقود سيارته من خلال المذياع: "تقارير عن أشخاص يقتلون آخرين ومن في يدهم سكاكين"، ويقول قاسمي إن أحد التداعيات المهمة للحادث هو زيادة حماية المصلين ودور العبادة، فقبل الحادث كان لدى دار الرعاية 12 كاميرا للمراقبة، ومنذ الحادث زاد عددها إلى 29 كاميرا، وفي الوقت ذاته زادت جرائم الكراهية ضد أماكن العبادة الإسلامية أضعافا، وبحسب تحقيق فإن الهجمات تضاعفت في الفترة ما بين آذار/ مارس إلى تموز/ يوليو أكثر من الضعفين مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه بعد الحادث بأيام وأسابيع، فإن الدار تلقت عشرات الرسائل المحملة بالكراهية، وبعضها يحتوي على مسحوق أبيض جعل الموظفين يفرغون المكان، وتم إرسالها إلى الفحص المخبري، حيث كانت تحتوي على مواد كيماوية سامة، وكتب في رسالة أخرى: "استخدم هذا المسحوق لتنظيف قذارتك أيها العبد"، وكانت الرسائل كلها تحمل شعار الـ"سواستيكا" النازي.