قضايا وآراء

لماذا تأخر الانقلاب على "موجابي"؟

رضا حمودة
1300x600
1300x600

في مشهد ليس بغريب على شعوب القارة السمراء ومنطقة الشرق الأوسط ، تحرك الجيش الزيمبابوي بدبابته وآلياته العسكرية باتجاه القصر الجمهوري في العاصمة " هراري" معلناً استيلاءه على السلطة في الخامس عشر من نوفمبر الجاري بعد أكثر من 37 عاماً من  حكم الرئيس روبرت موجابي(93 عاماً) ، وكالعادة نفى المتحدث باسم الجيش وقوع انقلاب عسكري في بلادهم كما هو ديدن جميع الانقلابات مدعياً الحفاظ على مؤسسات الدولة والانتصارلغضب الشارع.

 

ثمة هدف آخر دفع الجيش إلى التدخل الخشن في اللعبة السياسية غير احتواء غضب الشعب بنظري، وهو الحد من نفوذ زوجة الرئيس" جريس موجابي" على خلفية حملة التطهير ضد أنصار نائب الرئيس السابق" إيميرسون منانجاجوا"، الذى أقيل من منصبه بإيعاز من السيدة الأولى للبلاد ، هذا بعد تسببها في إقالة نائبة الرئيس السابقة "جويس موجورو" مما أثار غضب قيادات الجيش والمعارضة معاً من تنامي نفوذها السياسي وتعاظم طموحها في وراثة الحكم لا سيما مع تقدم الرئيس في العمر، الأمر الذي يفسر طرحنا السؤال الذي يفرض نفسه بشدة في عنوان المقال – لماذا تأخر الانقلاب على " موجابي " بعد كل هذه السنوات من الاستبداد والفساد والفقر والجهل وغياب الحريات وتردي ملف حقوق الإنسان وانتشار البطالة لأكثر من 90% في دولة من أفقر دول أفريقيا والعالم؟!


ثمة تشابه ولو جزئي بين الظروف التي أحاطت بموجابي وحسني مبارك غير انتهاج الاستبداد وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية ، حين تدخل الجيش في مصر عندما اقترب جمال مبارك من خلافة والده في الحكم ، مما دفعه(أي الجيش) إلى الانحياز ولو شكلياً لغضب الشارع من أجل قطع الطريق على مشروع التوريث ، متغاضياً عن جوانب الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي ضربت البلاد قرابة 30 عاماً ، وكأن الأهم من انهيار الوطن هو الحيلولة دون انتقال السلطة إلى شخصية مدنية حتى لو كانت نجل الرئيس العسكري بالأساس، حفاظاً على المكتسبات التي اغتنمها الجيش منذ 23 يوليه 1952 ولو من وراء الستار في بعض الفترات السياسية.


الأخطر في انقلاب زيمبابوي هو عجز المعارضة الحزبية والشعبية عن حسم معركتها مع الحاكم المستبد كما هو حال  الأنظمة الشمولية ، ومن ثم بقاء الجيش في صدارة مشهد التغيير دون منافس لما يملك من مقومات الحسم بقوة السلاح ، ما يجعل له يد طولى على جميع أطراف الصراع السياسي يستطيع من خلالها التحرك متى شاء وكيفما شاء ، وهو ما يُفقد العملية السياسية اللاحقة للانقلاب الشفافية والنزاهة المرجوة ، الأمر الذي يثير الشكوك حول مستقبل التحول السياسي. 


الدرس المستفاد من انقلاب زيمباوي الأخير، أن موجابي لم يكن ديكتاتوراً بالفطرة ، لكنه كان زعيماً تاريخياً لشعبه قبل وصوله للحكم ، إذ كان ملهما للشعب الزيمباوي ومناضله الأكبر ضد الاستعمار والعنصرية البغيضة ضد البشرة السمراء في القارة الأفريقية ، وكان من الممكن أن يجلس جنباً إلى جنب بجوار"نيلسون مانديلا" في أنصع صفحات التاريخ ، لولا أنه اختار السلطة الأبدية ، فسقط في بئر الاستبداد والديكتاتورية ومن ثم الفساد الشامل، حتى وصل به الحال إلى العزل والاحتجاز ، الأمر الذي يثبت أن السلطة المطلقة ، مفسدة مطلقة مهما كان تاريخ الزعيم نضالياً ومشرفاً، ذلك أن للسلطة  بريق يصعب مقاومته.


0
التعليقات (0)