هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يدخل الشاويش إلى قسم الشرطة ومعه الرجل المسن رجب الذي طلب الضابط عمر إحضاره كولي أمر طفل "مصاب" في حادثة سير تسبب فيها المذيع المعروف شريف، والمشهد من فيلم (واحد صفر – 2009) للمخرجة كاملة أبو ذكرى.
الشاويش: تمام يا باشا.. جد الولد ايلي تصاب.
الضابط: اقعد هناك دلوقتي (دون أن ينظر إليه حيث أنه مشغول بمشاهدة مباراة نهاية كأس افريقيا بين منتخبي مصر والكامرون داخل القسم بمعية المدعين والمتهمين).
تدخل نيفين إلى نفس القسم بعد أن علمت بوجود ممرضتها ريهام المتهمة بالإتيان بفعل فاضح بالشارع العام.
الضابط: ممكن أعرف حضرتك بتعملي ايه هنا؟
نيفين: أنا جاية علشان ريهام.
الضابط: طيب.. ممكن نأجل التحقيق ده كمان شوية؟ اتفضلوا.. اقعدوا.. خلونا نتفرج ع الماتش.. يالله يا أحمد حسن.. يالله يا أحمد حسن.. زيدان عندك.. أهه.. يالله يا زيدان.. يالله يا زيدان..
نفس الصراخ يسمع بالمقهى ومن داخل الزنزانة والمستشفى وغرفة التحكم بالاستوديو وغيرها من الأماكن قبل أن تنفجر الفرحة عارمة على إثر تسجيل أبو تريكة هدف الفوز بالكأس الإفريقية.
كان زمن المباراة مرادفا لتوقف الحركة بالبلد حيث ظلت الأعين مسمرة على الشاشات والألسنة مشغولة بالتشجيع والدعاء والعقول مسحورة بالمستديرة، كرة القدم، قبل أن تنطلق موجات المواطنين المطحونين إلى الشوارع معربة عن فرحة جماعية بالنصر المبين حيث تتأجل كل الأحقاد والصراعات وتنسى المعاناة والآلام.
يرقص الضابط عمر بالقسم ومعه المتهمون والمدعون والجنود.
الضابط: (على الهاتف) بس عارف؟ الواد زيدان هو ايلي لعيب.. اه والله.. عديت الفلوس (موجها كلامه للجد رجب)
نيفين: بعد إذن حضرتك.. موضوع ريهام وحسن؟
الضابط: لأ لأ.. خليهم يروحوا..
أمين شرطة: ازاي يا عمر بيه؟ لازم تعمل لهم محضر.. أنا شفتهم بعيني.
الضابط: ما تيجي تقعد مكاني أحسن.... اتفضلو.. وانت عديت الفلوس؟
وقبل الخروج من القسم يسلم المذيع شريف على الضابط.
الضابط: مبروووك!
شريف: مبروك على ايه؟
الضابط: على الفوز ومصر وكده والماتش..
شريف: الله يبارك فيك.
هو مشهد سوريالي نادر الحدوث في مخافر المحروسة حيث حفلات التعذيب والإهانة وجبة يومية لمن دفعه حظه العاثر للوقوع بين أيدي المخبرين والأمناء والضباط. الأقل حظا يخرجون جثثا هامدة تكيفها تقارير الطب الشرعي أو تحقيقات النيابة هبوطا في الدورة الدموية أو أزمة قلبية أو عارض صحي.
لكنه سحر الكرة يؤلف بين طبقات الشعب ويخرج من الجميع أفضل ما فيهم مساهمة في فرحة جماعية لا تتكرر إلا من بطولة إلى أخرى.
يتشاجر أبناء الطبقات المسحوقة ويتبادلون التهم والاعتداءات، ويعاني كثير منهم من الإهانة وهدر الكرامة والتحرش في الأماكن العامة أو وسائل النقل أو الغرف المغلقة، لكنهم ينسون كل المعاناة وينطلقون حاملين الأعلام يتراقصون ويصدحون باسم البلد دون غيرها من الأصنام. وحده التحرش يبقى ملازما للفعل الفردي والجماعي في الحياة العادية وفي الأفراح كما حدث للسيدة صبا في فيلم (678) للمخرج محمد ذياب كغنيمة احتفال جماعي بفوز ذات المنتخب الوطني.
قبل أيام كانت مصر وتونس والمغرب على موعد مع احتفالات غير مسبوقة بمناسبة تأهل منتخباتها لكأس العالم بروسيا 2018. وحده الشعب السعودي كان ممنوعا من غزوة الشوارع فقد كفاه حضور ولي العهد وحيدا في المقصورة الرسمية بديلا للاحتفال. استغلال الأنظمة السياسية للرياضة أمر متوارث في الأنظمة الديكتاتورية أبا عن جد.
فالرياضة مجرد وسيلة للتنفيس الجماعي وفرصة لتعظيم "إنجازات" الحاكم على حساب أرجل اللاعبين وحماس الجماهير.
بين الحكام في المنطقة العربية صراع محموم للتفاخر بالإنجازات الرياضية لدرجة أن تتكاثف جهود دول خليجية لتفويت فرصة تنظيم كأس العالم بدولة قطر حربا اقتصادية، ترمي إلى إضعاف العملة الوطنية للتأثير في وتيرة إنجاز المنشآت، أو وشاية لدى المحافل الدولية في محاولة لسحب التنظيم على وقع مزاعم رشى تستدعى فيها شهادات الأحياء والأموات على السواء. ولأن الحقد صار محددا لأشكال التحرك في الميدان، فقد تنادت دول الحصار الخليجية الثلاث لمقاطعة الدورة القادمة من كأس الخليج التي كان منتظرا تنظيمها بالدوحة كدلالة جديدة على نهاية مجلس التعاون الخليجي.
كان بالإمكان أن تساهم دورة الخليج في رأب الصدع بين الأشقاء لكن يبدو أن "الجبابرة الجدد" لم يعودوا يقبلون بـ"الدول الصغيرة" أندادا.
استلهاما لمشاهد إعلان انشقاقات جنود النظام السوري وتأسيس الفصائل المسلحة للمعارضة السورية، يتجمع مجموعة من الشباب وراء مكتب يجلس عليه "زعيمهم".
الشاب: أنا كابتن الفريق رقم 10، أعلن تشكيل منتخب إدلب العالمي واستعدادنا الكامل للمشاركة في كأس العالم وهذه طابتي (كرتي)، وستبقى يا وطني شامخا عزيزا، شامة العز على وجنة التاريخ.. فيفا.. فيفا.. فيفا.
هكذا تعالت أصوات زملائه الصادحة في فيلم (كأس العالم – 2016) للمخرجين الأخوين محمد وأحمد ملص.
في الواقع، كاد المنتخب السوري يحقق المفاجأة وينال فرصته بالتنافس بمونديال 2018 بروسيا، لكن اللاعبين سقطوا في المواجهة الحاسمة أمام الاستراليين، وأمام الوازع الأخلاقي حين تنادوا للقصر الجمهوري لتقديم آيات الولاء لبشار الأسد فاستحقوا لقب "منتخب البراميل" عن جدارة واستحقاق.
في روسيا 2018، لن يكون لسوريا مكان. لكن منتجع سوتشي لا يزال في انتظار وفود "المعارضة" والنظام لحضور ما أطلق عليه "المؤتمر السوري للحوار الوطني". لكن من ذا الذي يهتم بالموضوع مع ما تشهده المنطقة العربية من "حفلات النصر الكروي الجماعية" ودق لطبول حرب قد يكون البعض مالكا لوقود إشعالها لكنه أبعد ما يكون عن القدرة في إطفاء فتيلها بعد الاشتعال.
في فيلم كأس العالم للأخوين ملص يجلس الشباب على حافة رصيف. لا صوت يعلو على أزيز الطائرات ودوي الانفجارات. يخرج شاب من باب مجاور ومعه كرة قدم.
الشاب: شباب.. ميسي حط جول على إيران في الدقيقة 93.
الشباب: بالروح بالدم نفديك يا ميسي.. بالروح بالدم نفديك يا ميسي.. بالروح بالدم نفديك يا ميسي..
وعلى وقع الشعار، رقصة الدبكة على إيقاعات أغنية تنال من النظام ختامها: ساقط ساقط يا بشار.
هكذا قد ينتهي الحال بالمنطقة وشبابها. وحده فريق باريس سان جرمان حقق الاستثناء حيث ترعى شركة إماراتية سيادية فريقا بملكية قطرية في وقت فسخ فيه النادي الأهلي السعودي عقد رعاية الخطوط القطرية بساعات بعد إعلان الحصار "تطهيرا" للرياضة السعودية من "دنس" المال القطري.
في فرنسا حيث للقانون سيادة، لا حرج على الإماراتيين ومن والأهم من رعاية فريق تم تملكه بأموال "الإرهاب".