هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على بلدة إيميرات الألمانية، التي باتت الحياة داخلها منعدمة تماما، بعد اختفاء المستشفى، وهدم معظم المنازل، ونقل رفات الجثث في المقبرة إلى مكان آخر.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المزيد من أشغال الحفر تلوح في أفق البلدة الألمانية، التي تقع غرب ألمانيا، بما يكفي لمحو أي أثر لها، وهي التي كانت فيما مضى قرية زراعية. ويعود السبب وراء ذلك إلى أن التربة الخصبة والغنية التي تتمتع بها إيميرات تكمن تحتها مادة قيّمة أكثر، ألا وهي الفحم.
وتجدر الإشارة إلى أن تخريب البلدة الألمانية يفسح المجال أمام توسيع المناجم العملاقة، التي سينتج عنها انبعاث مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون خلال العقود القادمة. وبالتالي، إحداث ضرر بليغ بالقرى التي يعود تاريخها إلى العصر الروماني. ويعكس هذا الأمر الجانب المظلم من الجهود التي تبذلها ألمانيا لمواجهة التغير المناخي، كما أن نمو مناجم الفحم الحجري الألمانية يظهر الصعوبة التي تواجهها بعض البلدان، حتى تلك الملتزمة بالتكنولوجيات النظيفة، للتخلص من عاداتها القديمة فيما يتعلق بإنتاج الطاقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهُوّة بين خطاب ألمانيا الرنّان بشأن البيئة، وبين واقعها الملوث بالفحم، باتت عميقة أكثر من أي وقت مضى. وفي الأثناء، تستضيف البلاد مؤتمرا مناخيا تابعا للأمم المتحدة خلال الشهر الجاري، الذي يعدّ حاسما بالنسبة للجهود العالمية المبذولة في سبيل الوفاء بالوعود التي أُطلقت في باريس قبل سنتين من الآن. من جانبهم، يؤكد الخبراء على أن الحكومات المُمثلة في بون ينبغي لها التعجيل بتبنّي اعتماد الطاقة المتجددة بشكل فعلي؛ لإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري.
وأوضحت الصحيفة أن بلدة ايميرات، الآخذة بالتلاشي، أصبحت شعارا للصراع الألماني؛ لوضع حد لاعتمادها المفرط على الفحم البني، الذي يعدّ أكثر أنواع الوقود الأحفوري تسببا في تلوث البيئة.
وفي هذا الصدد، أفاد ديرك يانسن، زعيم الفرع المحلي لشبكة "أصدقاء الأرض" العالمية في "شمال الراين-فستفالن"، بأنه "لا يوجد تأثير سلبي على البيئة أكبر من تعدين الفحم البني، في حين أننا نحتل المراتب الأولى في هذا المجال. وفي حال أردنا إيقاف التغير المناخي، فيجب أن تكون البداية من هنا".
وأوضحت الصحيف أن معالم التحركات الألمانية في هذا الصدد أخذت تتجلى بالفعل، حيث تدفع أنجيلا ميركل، التي تعرف "بالمستشارة المناخية"، ألمانيا نحو قيادة هذه القضية على مستوى العالم، حتى وإن تخلت عنها الولايات المتحدة في ظل حكم ترامب. وبعد الانتخابات الألمانية الأخيرة، يتفاوض المحافظون حاليا للتشارك في الحكم مع حزب الخضر، الذي دعا منذ فترة طويلة إلى وضع نهاية للفحم الألماني.
والجدير بالذكر أن الحكومة الألمانية تعهدت بسدّ الفجوة التي سيخلفها التخلي عن الطاقات المُسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال اعتماد الطاقة المتجددة. ولكن يبدو أن البلاد ستعجز عن تحقيق أهدافها المتعلقة بخفض الانبعاثات بحلول سنة 2020. وقد قاوم السياسيون الألمان البارزين، بمن فيهم ميركل، بشدة الإغلاق العاجل لمناجم الفحم، حيث اتضح أن تطبيق التحول البيئي الألماني ليس بالأمر الهيّن.
ونقلت الصحيفة على لسان الخبيرة في مجال الطاقة في "مؤسسة هاينريش بول" التابعة لحزب الخضر، ريبيكا بيرترام، أن "الأمر لا يقتصر على تحول تقني فحسب، بل يحتاج تحولا اجتماعيا أيضا. فضلا عن ذلك، توجد الكثير من المكاسب التي ستتحقق عند الحفاظ على الهياكل القديمة، وبالتالي، سيتشبث بها الألمان قدر المستطاع". وفي الوقت الذي تتخلى فيه ألمانيا بالفعل عن الطاقة النووية، حيث قررت ميركل إغلاق جميع المحطات النووية بحلول سنة 2022، يُخشى من أن يؤدي التوقف عن إنتاج الفحم بشكل تام إلى ترك البلاد دون مصادر للطاقة التي تلبي احتياجاتها.
وأوردت الصحيفة أن الطاقة المتجددة تمثل المستقبل في ألمانيا، بيد أن نقلها يتطلب إنشاء البنية التحتية اللازمة. خلافا لذلك، يمتاز الفحم البني بالوفرة وانخفاض ثمنه، علاوة على أن صناعته تُشغّل حوالي 20 ألف شخص. في الأثناء، سلطت شركات الطاقة ضغطا سياسيا على السياسيين الألمان؛ لمنعهم من عرقلة أعمالها.
ووفقا لما أفاد به نوربرت ماتيرن، البالغ من العمر 50 سنة، الذي عمل في مثل هذه المناجم لأكثر من 30 سنة، "يعتمد جميع تساكني المناطق التي يتم فيها استخراج الفحم البني على هذه الصناعة بطريقة أو بأخرى". وقد استمع ماتيرن لحديث السياسيين بشأن إغلاق مناجم الفحم لسنوات طويلة، ولكن من المرجح أن يتقاعد قبل أن يشهد حدوث ذلك.
وبينت الصحيفة أنه وبالعودة إلى بلدة إيميرات التي وقعت ضحية صناعة الفحم، بات المكان يضم سبع أسر فقط ضمن رقعة أرض تتقلص تدريجيا، بعد أن كانت موطنا لحوالي 1200 شخص. وتعد كريستيان بورتس وعائلتها من بين هذه الأسر التي ستغادر البلدة في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن أسلاف زوجها امتلكوا عقارات في هذه البلدة على امتداد قرون عدّة، إلا أنها لا تلقي باللوم على شركة الفحم.
وفي الختام، أفادت الصحيفة على لسان كريستيان بورتس بأن منزلهم الجديد سيكون شبيها بالقديم، مع مساحات شاسعة لزراعة البطاطا ورعي الخيول، مع اختلاف بسيط ووحيد، ألا وهو أن سقف المنزل الجديد سيكون مغطى بألواح الطاقة الشمسية.
الكاتب: غريف ويت ولويزا بيك
الصحيفة: واشنطن بوست
الرابط: