هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
باتت الرياض مقتنعة تماما بأن التقارب مع إسرائيل يشكل حجر الزاوية في محاولاتها المستميتة لتحقيق ولو انتصار واحد يسجل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل توليه سدة الحكم بشكل رسمي. فكثير من العرب لم يصدق تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، التي يؤكد فيها بأن ثمة تفاهما كبيرا بين إسرائيل ودولة عربية رئيسية، وفي ذلك إشارة واضحة للمملكة العربية السعودية.
يرى مراقبون أن الرياض خسرت المعركة في مواجهاتها مع طهران في العراق وفي سوريا وفي لبنان. ولا يمكن القول بأن المأزق السعودي في اليمن في طريقة إلى حل، إلا في حالة تقديم الرياض تنازلات مؤلمة لا تستطيع معها الادعاء بأن أهداف عاصفة الحزم قد تحققت. غير أن هناك من بين النخب الحاكمة في السعودية من يرى بأن الفرج سيأتي من تل أبيب. فالأخيرة ترى بأن فرصة الانقضاض على حزب الله المنهك قد لا تتكرر وإذا ما تمكنت من القضاء على الحزب فإن من شأن ذلك أن يوجه ضربة قاصمة لإيران. هنا تحديدا نستشف الحماسة السعودية ومحاولتها نزع الغطاء عن الحزب بتشجعيها استقالة سعد الحريري من منصبة كرئيس للحكومة اللبنانية.
صهر الرئيس ترامب السيد كوشنر يلعب دور العراب في التقارب السعودي الإسرائيلي، ففي زيارة غير معلنة قام بها كوشنر والتقى الأمير محمد بن سلمان اقترح الأول تدشين علاقات رسمية بين الرياض وتل أبيب. فالحسابات الإسرائيلية – والسيد كوشنر ليس بعيدا عنها – تستند إلى فرضية مفادها أنه كلما ارتفعت حدة التوتر بين الرياض وطهران فإن الرياض ستتقارب أكثر مع تل أبيب. ولا يخفى على أحد أن من شأن ذلك حصول إسرائيل على "شرعية" من السعودية، وما تمثل من رمزية دينية في وقت لا يستفيد فيه الطرف الفلسطيني، الذي ما زال جاثما على صدره آخر احتلال كولنيالي في العالم.
ولا يعرف أحد حدا للتضحيات التي سيقدمها الأمير محمد بن سلمان للأمريكان حتى يباركوا تنصيبه ملكا على السعودية، فالرئيس ترامب الذي يدعم الأمير محمد بن سلمان يريد طرح أسهم أرامكو في بورصة نيويورك، فكل الأموال التي حصل عليها ترامب في زيارته الشهيرة للسعودية لا تبدو كافية لمساعدة السعودية لتحقيق نصر واحد على إيران. فبدلا من التصدي لإيران فإن كل ما تفتق عنه العقل السعودي هو اتهام قطر وفرض حصار يحتار المرء في تفسيره.
وبالتالي ما هو الثمن المطلوب لقاء تمكين السعودية من إحراز نصر على إيران؟ هناك مؤشرات واضحة بأن الولايات المتحدة تمارس ابتزازاً للحصول على ما يمكن الحصول عليه من أموالٍ سعودية بالإضافة إلى سعي واشنطن الحثيث للتقريب بين تل أبيب والرياض. بمعنى أن هناك ثمنا ماليا وآخر سياسيا مطلوب من الأمير محمد بن سلمان حتى يحصل على انتصار ولو معنوي على إيران يساعده في صراعه على السلطة داخل السعودية ويجعل منه ملكا متوجا على عرش دولة تراجعت كثيراً في الحقبة الأخيرة.
وكأن المطلوب من الرياض تقديم التنازلات المالية والسياسية حتى تضرب إسرائيل حزب الله لإضعاف إيران، وحري بنا أن نتذكر أن إسرائيل لن تخوض إلا حربها مع حزب الله أو غيره لكن هذه المرة تمارس إسرائيل أيضا ابتزازا للسعودية لأن الأخيرة عاجزة عسكريا عن صنع الفارق في المواجهات التي خاضتها مع وكلاء إيران. طبعا، لا نتمنى إلا خيرا لأشقائنا في السعودية، غير أن الرياض تنتقل من ديناميكية الفشل إلى التدمير الذاتي، فما يجري فيها لا يؤشر بأن من يقدم النصح لولي الأمر يريد خيرا للمملكة ولا لشعبها.
الشرق القطرية