هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في إطلالاته الإعلامية طوال عام، حين كان يُسأل الرئيس سعد الحريري عن تعامله مع حزب الله الذي تصنّفه السعودية منظمة إرهابية، وحلفه مع النظام السوري الذي يعارضه الحريري، كان يجيب بأن حزب الله مكوّن أساسي من مكونات المجتمع اللبناني، وأنه يتعامل مع الأمر بواقعية، وأن مصلحة لبنان تعلو على كل المصالح الأخرى، وأنه يتعامل مع حزب الله من منطلق الحرص على الأمن والاستقرار في لبنان وتأمين مصالح اللبنانيين.
حين كان يُسأل الحريري كيف قَبِل بانتخاب مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية العماد ميشال عون وتخلّى عن حلفائه المرشحين، جوابه كان أنه أراد إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي التي باتت تشكل خطراً على مستقبل لبنان.
تنازل سعد الحريري وقدم التضحيات.. أوصل مرشحاً لرئاسة الجمهورية هو خصمه بالسياسة
غضّ الحريري الطرف عن مشاركة حزب الله في الأزمة السورية، وأعطى شرعية لمعركة عسكرية خاضها حزب الله في جرود عرسال
من أجل لبنان ومصلحة اللبنانيين، غضّ الحريري الطرف عن مشاركة حزب الله في الأزمة السورية على أعين الدولة اللبنانية، باستثناء تصريحات خجولة، دون ممارسة أي من صلاحياته كرئيس للحكومة، وأعطى شرعية لمعركة عسكرية خاضها حزب الله في جرود عرسال دون أي طلب أو تفويض من السلطة اللبنانية، قبل أن يتم إيجاد مخرج بخوض الجيش اللبناني المعركة التالية في جرود القاع.
من أجل لبنان ومصلحة اللبنانيين، منح الحريري ثقته للمحكمة العسكرية وأحكامها، رغم إدراكه كما كل اللبنانيين أنها محكمة استثنائية يُمسك بمفاصلها حزب الله، وباتت ذراعه القضائية ليبطش بمن يريد من خلال القانون.
شكلت مصلحة لبنان واللبنانيين البوصلة التي تشبث بها الحريري طوال عام مضى. فكل ما قام به خلال هذا العام كان يبرره بأنه حريص على لبنان ومصلحة اللبنانيين، رغم أن ذلك أدى لتآكل شعبيته، وتململ من حوله، وتراجع نفوذه في مؤسسات الدولة وإداراتها.
أخرج الحريري نفسه ومعه فريقه من الحكومة، وأفقد نفسه المكسب الوحيد، في مقابل محافظة الآخرين على كل مكاسبهم والتي كان للحريري فضل فيها
اليوم دون مقدمات، قدم الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة، مطيحاً بكل الإنجازات التي فاخر بتحقيقها طوال عام، وليطل على اللبنانيين بخطاب سياسي حاد لم يسمعوا مثيلاً له، حتى في أشد الخصومة مع حزب الله. فالنسخة الجديدة من سعد الحريري انقلبت على كل ما كان يقوله ويفعله سعد الحريري قبل أسبوع؛ استقالة لم تُعِد عقارب الساعة عاماً إلى الوراء فقط، بل إن مفاعيلها أعادت الأوضاع عقداً إلى الوراء. فالحريري قدم وتنازل ورضخ لخصومه في سبيل استمرار عجلة الحكومة التي كان يعتبر أن إنجازاتها تصبّ في رصيده. أما وقد أخرج الحريري نفسه ومعه فريقه من الحكومة، فإنه بذلك أفقد نفسه المكسب الوحيد الذي كان يمنّي نفسه به، في مقابل محافظة الآخرين على كل مكاسبهم والتي كان للحريري فضل فيها.
فرئيس الجمهورية (الماروني) حقق الحلم الذي طالما كان يسعى إليه ووصل إلى قصر بعبدا، بناء على تسوية سياسية قضت بوصول عون لرئاسة الجمهورية والحريري لرئاسة الحكومة. لكن الذي حصل أن عون باق في قصر بعبدا خمس سنوات أخرى، بينما الحريري صار خارج السلطة.
رئيس مجلس النواب (الشيعي) يحتفل بمرور ربع قرن على تربعه على كرسي رئاسة المجلس، ولايسمح لأحد بالانتقاص من صلاحياته. أما حزب الله، فلم يكن بحاجة إلى أكثر من وصول حليفه إلى سدة الرئاسة، وأن ينال شرعية –ولو كانت شكلية- منحه إياها سعد الحريري ومجلس الوزراء.
لا مشكلة في أن يتخلى الحريري عن الطوباوية التي رافقته خلال عام، ويعود رجل سياسة يسعى لتحقيق مصالحه ومصالح فريقه. المشكلة في أن تنقلب هذه الطوباية، لتصبح سعياً لتحقيق مصالح "سمو ولي العهد" ولو كان ذلك على حساب مصلحته ومصلحة اللبنانيين.