غابت الرواية الرسمية
السعودية عن
حملة الاعتقالات غير المسبوقة، التي شكلت زلزالا سياسيا في المملكة، عكس حالة من الارتباك سادت المشهد، لا سيما أنها طالت أمراء ووزراء سابقين ورجال أعمال بارزين.
ففي حين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأنباء الاعتقالات كانت الرواية الرسمية غير موجودة، واكتفت بالإشارة إلى حملة ضد الفساد دون ذكر للاعتقال الذي طال أمراء، ما اضطر المواطن السعودي إلى اللجوء لمواقع التواصل للحصول على المعلومات بعيدا عن مصادرها الرسمية، والبحث عن أسماء المعتقلين.
وكان طريفا أن صحفا سعودية كبيرة مثل "سبق" قامت بنقل أخبار الاعتقالات من صفحات من "تويتر" دون النسب إليها، أي بالتزامن مع ما نشره حساب "أخبار السعودية" الذي انفرد بأخبار الاعتقالات وأسماء المعتقلين التي اختصرها بالرموز.
واكتفت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "
واس" بنقل الأوامر الملكية بتشكيل اللجنة التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي قامت تحقق بتهم الفساد التي نسبت لأمراء بارزين في المملكة، دون الإشارة إليهم.
وعلى الرغم من أنها لم تنشر تفاصيل عن حملة الاعتقالات، إلا أنها اكتفت بنقل تصريحات رسمية مؤيدة لها، وبالترويج على أنها حملة ضد الفساد.
وجاءت التغطية في الوكالة الرسمية (واس) "دفاعية" ومبررة لحملة الاعتقالات، الأمر الذي تكرر في التصريحات التي نقلتها الوكالة عن مسؤولين سعوديين احتفوا بتشكيل اللجنة العليا للتحقيق بقضايا فساد، ووصفها بأنها "تجسد نهج الدولة في ترسيخ مبادئ الحوكمة والمحاسبة وتعزيز النزاهة".
ولم يتعرف السعوديون على أسباب الاعتقال وتفاصيلها حتى الآن، إلا ما نشر في الصحف السعودية وتم تسريبه مسبقا، من أن الأسباب مرتبطة بـ"الفساد"، وروّجت أن التحقيقات جرت بسرية "حرصا على سلامة الإجراءات القانونية، ولضمان عدم الإفلات من العدالة".
ونشرت أمس صحف سعودية أسماء المعتقلين وصورهم، بعد أن ترك الباب واسعا للتكهنات ليومين كاملين، في حين ما زالت الوكالة الرسمية تتجاهل الحديث عنهم.
وكانت أول تغطية للاعتقالات ما نشر فجر اليوم من تصريحات عن النائب العام السعودي سعود المعجب، الذي أكد أنه جرى جمع الأدلة واستجواب المعتقلين.
ولم يعلق النائب العام على هوية المعتقلين. إلا أن ما تم تسريبه حتى الآن عبر قنوات غير رسمية، أنه جرى اعتقال 18 أميرا وأربعة وزراء حاليين، وعشرات من الوزراء والمسؤولين السابقين بتهم تتعلق بـ"الفساد"، وتم الكشف عن أغلبهم.
ارتباك.. وترك الباب للتكهنات
وترك الباب واسعا للتكهنات والتساؤلات حول حملة الاعتقالات، وأسبابها، بعيدا عما تم الإعلان عنه أنها تأتي ضمن حملة على الفساد أمر بها الملك سلمان بن عبد العزيز.
من جهته، قال المعارض السعودي، سعد الفقيه، لـ"
عربي21" إن مخاطبة الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي وليس عبر وسائل الإعلام الرسمية الحكومية مقصودة من النظام السعودي.
وقرأ أنه كان هناك ارتباك في طبيعة التعامل مع القرارات، إذ "بدا النظام مرتبكا ولا يثق بنفسه ثقة كاملة، فهو يريد أن يرى ردة فعل الناس على الأخبار التي لا ينشرها بشكل رسمي ويدرس طريقة تعاطيهم معها".
وأضاف أنه "يقوم برصد التعليقات التي تأتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويجمع رد الفعل لدى الناس، حتى يسهل عليه القيام بما يريد دون تحفظ".
وانتقد أن فريق ولي العهد السعودي في الحكم، "ليست لديه استراتيجية مرسومة وجاهزة، بل إن قراراته مستعجلة ومرتجلة وليست متكاملة، وهو الأمر الذي يجعله غير واثق من أن ينشر التفاصيل الكاملة لقراراته عبر وسائل الإعلام الرسمية".
ولفت أيضا إلى أن حالة الارتباك الأخرى تمثلت بأن "اعتقال الأمراء جرى قبل الإعلان عن تشكيل اللجنة، وأنه تم بشكل سري"، ووصف ذلك بأنه "يدل على سوء تخطيط، وأن تعامل النظام صار آنيا وليس استراتيجيا، فقد كان يجب الإعلان عن اللجنة بشكل رسمي أولا، ثم البدء بالتحقيقات".
وقال إنه "ليس هناك نضوج إعلامي لدى النظام في كيفية إذاعة مثل هذه الأخبار إلى الناس، فهؤلاء ينفذون القرارات ثم يبحثون عن طريقة لترويجها وإعلامها للناس".
وحمل مسؤولية ذلك لسعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي والمشرف العام على الشؤون الإعلامية.
المواطن يترك فريسة لمواقع التواصل
ووافق معارض سعودي آخر طلب عدم الكشف عن اسمه، ما ذهب إليه الفقيه من أن الأمر متوقع ويعد طبيعيا في دولة مثل المملكة السعودية، إذ إن الإعلام الرسمي يتعمد تجاهل الإدلاء بأي معلومات بخصوص قضايا حساسة مثل الاعتقالات التي تمت.
ولكنه انتقد في حديثه لـ"
عربي21" أن يترك القارئ فريسة لما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، يستقي منها الأخبار دون أن يكون هناك من يوثقها ويؤكدها.
وأشار إلى أن من حق المواطن السعودي أن يكون على اطلاع كامل بما يجري، وأن من حقه الحصول على المعلومة من القنوات الرسمية للدولة، منتقدا طريقة تعاطي
الإعلام السعودي مع الأحداث الأخيرة.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي، تكهنات عدة بعد الزلزال السياسي الذي شهده المملكة، ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الأمر له أبعاد أخرى، مثل "منع انقلاب محتمل".
في حين رأى آخرون أن الأمر له أبعاد اقتصادية خشية أن يقوم الأمراء الأثرياء ورجال الأعمال بإفشال مشاريع ابن سلمان التي أعلنها، التي تعد أساس رؤيته الاقتصادية التي روّج لها.
ورأى متابعون أن ما يجري اليوم هو تصفية للخصوم وليس محاربة للفساد، وأنها ذات طابع سياسي، وتمهيدا للطريق أمام ابن سلمان لتولي العرش.
وهو الأمر الذي ذهبت إليه الرشيد، قائلة إن "الاعتقالات ذات طابع سياسي، وتأتي من باب تصفية الساحة من أي منافس".
في المقابل، أيد عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في السعودي، حملة الاعتقالات، ودشنوا هاشتاج تصدر "تويتر"، "
#الملك_يحارب_الفساد".